‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات اسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات اسلامية. إظهار كافة الرسائل
| 0 التعليقات ]

12-7

صيام رمضان

الصيام هو الإمساك بنيَّةٍ، عن شهوتي البطن والفرج وما يقوم مقامهما، مخالفةً للهوى في طاعة المولى، قبل الفجر، في جميع أجزاء النهار·

الحكمة من الصيام

1- تحقيق معنى التقوى:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183

2- الصوم يحفظ الجوارح من الوقوع في الحرام:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)·أخرجه البخاري

قال ابن القيم: " من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم ؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يُجرِّح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً "

3- الصيام يربي في النفس حقيقة الإخلاص لله عز وجل:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصِّيام فإنه لي وأنا أَجْزِي بِهِ) أخرجه البخاري·

4- الصيام والصبر :

قال ابن رجب: " الصيام من الصبر، والصبر ثلاثة أنواع، وتجتمع الثلاثة في الصوم، فإنّ فيه صبراً على طاعة الله، وصبراً عمَّا حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصُلُ للصائم فيه من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن .

قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] " .

5- في الصيام تضييق لمجاري الشيطان:

فالصيام يضيق مجاري الدم، التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر ثورة الشهوة والغضب·

6- الصيام يدعو الإنسان لشكر النعم :

إذ هو كفُّ النفس عن الطعام والشراب، ولا يعرف الإنسان قدر هذه النِّعم إلا بعد فقدها، فيبعثه ذلك على القيام بشكرها·

7- الصيام يثير في النفس مراقبة الله عز وجل والخوف منه·

الصيام موكول إلى نفس الصائم لا رقيب عليه فيه إلا الله، وهذه المراقبة تكسب الإنسان الحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله والاستغراق في تعظيمه وتقديسه ما يجلب الخوف منه عز وجل، إن صاحب هذه المراقبة لا
يسترسل في المعاصي، إذ لا يطول أمد غفلته عن الله تعالى، وإذا نسي وألم بشيء منها يكون سريع التذكر قريب الفيء والرجوع بالتوبة إلى الله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـائِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف:201

8- الصيام ينمي في النفس خلق الكرم والعطف على الفقراء:

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل·

9- في الصيام تتجلى وحدة المسلمين:

وتعرف الأُمَّةُ أهمية الوقت: فالصيام يُعَلِّمُها النظام في المعيشة، إذ يفطر جميع المسلمين في منطقة واحدة في وقت واحد، لا يتقدم أحدٌ على آخر دقيقة واحدة·

 

نعمة الصيام

طوبى لصائم استشعر نعمة الصيام فحقق التقوى فصام الشهر واستكمل الأجر أخذ رمضان كاملاً وسلمه للملائكة كاملاً فلا غيبة ولا نميمة ولا أذية للمؤمنين ولا تقاعس عن صلوات أو وقوعاً في محرمات صام فصامت جوارحه وأركانه قانتًا آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: :" قال الله : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم . والذي نفس محمد بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك . للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه "صحيح البخاري.

وفي الصحيحين أيضاً قال صلى الله عليه وسلم:" من صام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ".
وفي البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال : فال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن في الجنة بابا يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال أين الصائمون ، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلن يدخل منه أحد "

ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط وإنما لا بد أن يتأدب بآداب الصوم .
طوبى لصائم حفظ لسانه كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه ) وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: ( الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم).


طوبى لصائم استشعر نعمة الصيام واغتنم الفرصة فهذه المواسم تمرّ سريعاً، فعلى المسلم أن يغتنمها فيما يعود عليه بالثواب الجزيل، وليسأل الله تعالى أن يوفقه لطاعته والله ولي من استعان به، واعتصم بدينه.


وطوبى لصائم استشعر شهر القرب من الجنان والبعد عن النيران، فيا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره، بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، قل لي بربك كيف ترجو النجاة بمن جعلته خصمك وضدك، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب، فكل قيام لا ينهي عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعد، وكل صيام لا يصان عن الحرام لا يورث صاحبه إلا مقتاً ورداً.


طوبى لقوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسن والأسماع والأبصار، أفما لنا فيهم أسوة؟

 

...تابع القراءة

| 1 التعليقات ]

17

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإنسان دائما ما يحتاج إلى السعادة فى الدنيا والآخرة
والإنسان العاقل هو من يبحث عن الأمرين ليحقق مراده
وسعادته فى الدنيا والأخرة

وتكمن هذه السعادة في

- التجارة مع الله -

وقد سأل الصحابة عن أفضل أنواع التجارة ليعملوا بها
فنزلت الآية الكريمة :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِـ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* ) الصف 10/11
وقد اوضحت اركان التجارة
التي تكمن فى الإيمان بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليهـ وسلم والجهاد بالمال والنفس.

بعد ايام قليلة سيحل علينا شهر رمضان المبارك، شهر القربات؛ الشهر الذي يتقرب فيه العبد من ربه بالعمل الصالح: بالنوافل وقراءة القرآن والصدقة والتحلي بالخلق الحسن، يجتهد في ذلك ما استطاع لأنه الشهر الذي تتضاعف فيه الحسنات ويجزي الله بصيامه ما لا يجزي في غيره من الطاعات، ولا يعلم قدر جزاء المؤمن به إلا هو سبحانه.

ولقد نعلم من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيره لهذا الشهر واجتهاده فيه بالقيام حتى تتفطّر قدماه، وبالصدقة بحيث يكون أجود ما يكون فيه وقيل كالريح المرسلة لكثرة إنفاقه فيه. وهو القائل ترغيبا في إتيان المسلم أفضل ما يستطيعه فيه: « جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله » رواه الطبراني.

فإذا كانت الآية السابقة الذكر تعم سائر أوقات المؤمن وسائر الشهور من عمره، فإنه أدعى أن يأخذ بها ويأتي بما مدح الله عباده فيها، من التلاوة لكتابه وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقه الله سرا وعلانية في شهر رمضان خاصة لأفضليته على سائر الشهور في العبادة والأجر.

ولقد وصف الله تبارك وتعالى هذه الأعمال بأنها ﴿ تِجَارَة لَنْ تَبُورَ ﴾، ولو وقفنا قليلا عند معاني هذه الكلمات، فسوف نجد أن كلمة “ تجارة “ هنا لا تعني التجارة التي يتداولها الناس بينهم ما بين بيع وشراء، ولكنها تجارة مع الله، وصفها المولى عز وجل بأنها “ لَنْ تَبُورَ “ ولم يقل “ لا تبور” حيث نفى عنها البوار نفيا مطلقا في الزمن، علاوة على نفي كل فساد أو كساد عن مثل هذه التجارة !

ثم تأتي الآية بعدها لتبيّن كيف يكون الربح من تجارة تلك صفاتها، حيث يقول جل وعلا: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ فاطر:30.

فالأجر يكون كاملا وافيا مستوفيا لحسن أعمالهم ويزيد، – وذلك أفضل ما يرجوه التاجر من تجارته !

فإذا نظرنا إلى واقع الناس في رمضان وتعاطيهم للتجارة بيعا وشراء، نرى عجبا من تهافت الناس على الأسواق وأماكن البيع والشراء، بما يستغرق الساعات. ناهيك عما يصيب الباعة من طمع في زيادة الكسب اغتناما لفرصة ذلك الإقبال الزائد للمشترين.

والسؤال إزاء هذا الوضع:

متى سنفقه بأن الصيام هو إمساك عن الطعام والشراب ليس لمجرد الإمساك، ثم الانشغال به والتفكير فيه طيلة ساعات الصيام ؟

وأين نحن من رجاء التجارة التي عند الله، التي لا فساد فيها ولا كساد ولا ضياع ؟

يقول تعالى في سورة النور- مباشرة بعد آية النور! – : ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [36-37-38].

يمكننا على ضوء هذه الآيات أن نقسم الناس من حيث سلوكهم في رمضان إلى فئتين:

• فئة هي من قبيل أولئك الذين يمدحهم الله عز وجل، ممن لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهنيئا لهم هذا الثناء من الله ثم الأجر والفضل الذي يخصهم به جل وعلا !

• وفئة هم بالضرورة ممن ألهتهم التجارة والبيع عن ذكر الله الذي هو أخص الذكر في رمضان، وعن إقامة الصلاة التي هي من أفضل الصلاة في شهر القيام، وعن إيتاء الزكاة في شهر القربات والصدقات والمسارعة في الخيرات.

ونلاحظ في ختام هذه الآيات ما جاء من حديث عن الجزاء على أحسن الأعمال والزيادة فيه بما يتفضل به المولى تبارك وتعالى على عباده كرما منه وجودا، لتختتم بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾.

ولقد نعلم ما في رمضان خاصة من بركة في الرزق، فهل في ذلك ما يدعو إلى الإفراط في اقتناء الضرورات وغير الضرورات مما ألزم الناس بها أنفسهم إلزاما في هذا الشهر بما لا يقدم في توقير رمضان شيئا ولا يؤخر، ولا يزيد في أجر الصائم ولا ينقص منه شيئا ؟!
لقد أفرطنا في النافلة وفرطنا في الفرض وغالينا في الشكل وتغافلنا عن المضمون – مضمون شهر رمضان المبارك الذي ليست بركته في الرزق، بقدر ما هي في القرآن الكريم الذي أنزل فيه، حيث يقول تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ البقرة:185.

وإنه الشهر المتضمن لتلك الليلة المباركة: ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. فالله يذكرنا فيه بأفضل نعمه علينا وأتمها وهي نعمة القرآن؛ بما جعل لنا فيه من خير ورحمة وبركة وفضل، ومن نور وهدى وموعظة وشفاء. وليست قراءته إلا لاستذكار تلك المعاني الجليلة وابتغاء النور الذي فيه لنستنير به من ظلمات الجهل والظن والتقليد للآباء وهوى النفس ووسوسة الشياطين.

ولقد آن لنا أن نفتح قلوبنا للقرآن نستشف منه العبر ونتعظ بالأمثال ونتدبر المعاني ونعمل بالأحكام ونلتزم ونجدد الالتزام بالأوامر وننتهي عن النواهي ونستغفر مما كان ونتوب، في شهر كله مغفرة، فيصفو القلب لتقبل الهدى والنور.

والله يستحثنا ويستعجلنا بقوله:﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ الحديد:16،

فإن لم نخشع في شهر الرحمات في حضرة كلام الرحيم الرحمن، فمتى سنخشع لذكره ونلوذ به ونعود إليه مستسلمين مستأنسين بشهر كله رحمة ونور؟

فالحذر الحذر من اللهو والسهو عن خيرات رمضان، بكافة الملهيات من بيع وشراء وإنفاق لا نفع فيه ! يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ البقرة:254.

ويقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ﴾ إبراهيم:31.

فالله تعالى ينبهنا إلى أن الربح ربح الآخرة، والانشغال بالبيع والشراء هنا، الذي كل هم صاحبه الكسب للنفس مع الامتناع عن الإنفاق لا يفيد المؤمن في اليوم الآخر الذي لا بيع فيه.

يقول تعالى في سورة الجمعة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ الجمعة: 9-10-11.

فإن خص هذا التحذير يوما مباركا من أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، الذي فرضت فيه صلاة الجمعة وحضور الجماعة للرجال، وإيثار ذلك على التجارة والبيع والشراء، فلا مانع من أن نطبقه على هذا الشهر المبارك من أشهر العام؛ ومنادي الجمعة ينادي إلى الصلاة ومنادي رمضان ينادي للصيام والقيام والصدقة وكل أعمال البر.

ولا غُرو أن ابتغاء الفضل والتماس الرزق والأكل من الطيبات هو من قبيل ما أحل الله لعباده، لكن أن يرافق ذلك كله ذكر كثير، فالله خير رازقا مما نطمع فيه في رمضان من كثير الرزق مالا ونفقة، بيعا وشراء.

جاء في سورة المنافقون: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ 9-10-11.

والمؤمن يسأل دائما عند قدوم رمضان أن يبلّغه الله إياه حتى لا يفوّت فرصة القرب من الله، بالانقطاع عن المفطرات والملهيات، والإقلاع عن قبيح الأخلاق وسيئ العادات التي التصقت بسلوكه طوال العام؛ فيجدد في نفسه العزم على ترك كل قبيح وتعلم ما هو جميل ونافع، يعينه على ذلك هذا الشهر الكريم بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، وتعاون الناس على الخير سواء بالصدقات أو بحضور الجماعات.

إنها دعوات من الله يضمها كتابه الكريم الذي هو مأدبته، كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن هذا القرآن مأدُبة الله في أرضه فاقبلوا مأدبته ما استطعتم »،

يدعونا فيها ربنا إلى تذوق أطباق من الحكم والمواعظ والعبر شتى مما لا يشبع منه العلماء.

ففي رمضان ليست الدعوة دعوة إلى مائدة الطعام عندما يؤَذّن بالإفطار وقد وضعت عليها أنواعا من الأكلات والأطباق الشهية – وإن كان ذلك من قبيل ما أحلّ الله لنا-،

بقدر ماهي دعوة إلى مائدة القرآن تلاوة وتدبرا، وتتبعا بالعمل وعزيمة على الطاعة.

والله يوفقنا لصيامه وقيامه، إيمانا خالصا من نفوسنا واحتسابا للأجر الجزيل عند الله تعالى الذي نحن بحاجة إليه، وهو الغني عنا سبحانه، لا يرجو بفرض الصيام علينا إلا أن ننفض الغبار عن نفوسنا ونتسامى في درجات الخير والإحسان، وهو جل وعلا يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.

فمن منّا سيدخل هذا المشروع العظيم
فهى نعم التجارة الرابحــة
ليفوز برضا الله عز وجل وجنة عرضها السموات والأرض
ورفقة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
وصحابته الكرام

اللهم اجعلنا خير من يغتنم موسم رمضان وبقية الحياة .
اللهم أصلح لنا شأننا كله , ولاتكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك .

وكل عام وانتم بخير.

...تابع القراءة

| 1 التعليقات ]

45845-300x225

استح ِ.. الله ينظر إلى صحيفتك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وبعد، فأيها الأحبة في الله

شهر شعبان، هو الموسم الختامي لصحيفتك عن هذا العام

فبم سيُختم عامك؟

ثم..

كيف تحب أن يراك الله جل جلاله بينما ينظر سبحانه إلى صحيفتك؟

من أجل هذا وهذا، كان من حال السلف أنهم يغلقون حوانيتهم في شعبان ويقولون: هو شهر القُرَّاء

نعم أيها الإخوة

وأنا أحبكم في الله.. أريدكم أن تتأملوا لفظ (القُرَّاء) ، حيث الإشارة الواضحة إلى الاحتراف !

نعم احتراف التلاوة، وإدمان القيام.

فإن كنا نريد أن نقرأ القرآن في رمضان قراءة المحترفين، فلنبدأ من الآن في "الإحماء" والتسخين..

نعود للسؤال المهم:

بم سيُختم عامُك؟ وكيف تحب أن يراك الله بينما ينظر سبحانه إلى صحيفتك؟

الإقبال عل العمل الصالح كله، وخصوصاً قراءة القرآن.. نعم هذا جيد.

الذكر وإصلاح الصلوات وكثرة الصدقات.. نعم هذا عظيم.

بر الوالدين، وأداء حقوق العيال، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وخدمة المسلمين.. ما أحسن هذا كله!

لكن أهم وظائف شعبان:

أولاً : الحياء من عين الله جل جلاله

إن نظرة تأمل لحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، تظهر لك أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، يقول صلى الله عليه وآله وسلم:

" .. وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"

إنه الحياء.. أهم ما يشغلك والله الكبير المتعال ينظر في صحيفتك: أن تستحي من نظره لجرائم عظيمة أشدها خطراً ما نسيت منها قال سبحانه: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } فأظلم المذنبين ينسى ما قدمت يداه.

وتستحي كذلك من نظره لقربات امتلأت بالتقصير ، قال بعض السلف: "إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهاً تليق به صلاتك"

كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك يجلب الحياء !

كل ما يراه الله في صحيفتك سوءات وعورات !

فهلا استحييت..؟!

استح من نظره .. فتعَرَّض له سبحانه- أثناء شهر عرض العمل عليه- بكل عمل صالح تطيقه..

وإن كانت التلاوة تأخذ ساعة أو أكثر، وإن كانت الصلوات تأخذ مثل ذلك، وإن كان الذكر مثل ذلك..

فإن الصوم شأنه شأن آخر..

إنه يأخذك من أول اليوم إلى آخره، فتصبح في كل لحظة من لحظات أيام شعبان تحمل اسم (عبد الله الصائم

فلا يهدأ بال العبد الحيي إلا إذا ضمن أنه أيما لحظة ينظر فيها الله جل جلاله إلى صحيفته، فسيراه في ذات اللحظة ظمآناً من أجله، جائعاً من أجله، ممتنعاً عن شهوته حتى يرضى..

ومن الحياء في الصوم كذلك: أنه امتناع عن مباح لا تأثم بإتيانه.. !

فبينا ينظر سبحانه لسيئة اقترفت بها شيئا لم يكن لك، إذ بك تتراءى له سبحانه بأنك ممتنع عن المباح من أجل وجهه جل جلاله..

تالله إن هذا لهو الاعتذار بالحياء، حالك حينئذٍ:

مولاي

وا سوءتاه وإن عفَوت

اللهم اغفر ذنباً ما كان ليضرك

اللهم اجبر نقصاً لم ينقص من ملكك

الوظيفة الثانية في شعبان: التلذذ باغتنام غفلة الناس

لما قال أسامة بن زيد رضي الله عنه: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!

قال صلى الله عليه وسلم:

"ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان .."

مضى رجب بعد أن فرَّغ فيه الرجبيون طاقاتهم الإيمانية في صوم مخصوص، ثم ها هم في شعبان يفطرون!

كأنهم يجمعون في بطونهم اتقاءً من رمضان!

مضى رجب عند كثير من جهال المسلمين هداهم الله، وهم الآن ينظرون إلى أول رمضان كأنهم في إجازة من التعرض لرحمات الله جل جلاله، حتى من بقي عنده شيء همة، يصرف همته في ليلة النصف من شعبان بصلاة مخصوصة ودعاء مخصوص واحتفال حابط!

أما من سار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.. فإن شعبان موسمه !

إن الناس في أسواق (الياميش)، وآخرون يسجلون أسماءهم في الدورات الرمضانية، وغيرهم ...

أما هو.. فهل تدري أين هو؟ حاول أن تتخيل مع من هو؟

إنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!

قال صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرْج كهجرة إلي" ، "العبادة في الفتنة كهجرة إلي"

إنه الغريب الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه يود أن يرى رسول الله ولو دفع ماله ونفسه، يُصلِح إذا أفسد الناس، صالح حال فساد الناس، يُصلح ما أفسده الناس.

فيجمع في عباداته في شعبان بين الحياء سالف الذكر، وبين هذه اللذة المذكورة: الفرح بنعمة الله أن وفقه لذكره وعبادته حال لهو الخلق، وشعبان موسم غفلة بنص كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.

الوظيفة الثالثة في شعبان:استشعار قرب فتح باب الجنة.. وغلق باب النار

بالله عليك أخي! لو أنك واقف خارج الجنة وعلمت أن بابها يكاد يفتح.. فكيف كنت ستنظر إليه؟!

كأني بعينيك تنظر إليه كله.. تأتي به من أوله إلى آخره.. ثم تنظر إلى ما بين مفصلاته ربما يأتي منها بصيص نور قبل طرف الباب.. ثم تحاول أن تتخيل ما أول ما ستراه.. ثم تتوهم مسابقتك الناس في الدخول...

نريد أن نتحفز هكذا لرمضان، فيصبح استعدادنا يحمل هذه الروح..

حتى إذا فُتح الباب ملأنا أعيننا بعطايا الجنة، واغتنمنا قطوفها..

وكذلك

نريد إذا أغلق الله تعالى باب النار في رمضان ألا نكون ممن يتسورون النار!

إذا أغلق الله عنك باب شر فلا تفتحه، لا تتسوره.. هل تريد مثالاً؟

الكبر مثلاً !

أليس الله تعالى قد أغلق عنك مسوغات هذا الباب؟

ألست لست للأسف من العلماء الربانيين؟!

ألست لست للأسف من العباد الزاهدين؟!

ألست لست للأسف من الدعاة ولا المجاهدين؟!

فعلام الكبر؟ ! ولم الغرور ؟! وبم الرياء ؟!

إذا أغلق الله عنك باب شر فلا تتسوره

حتى إذا دخل رمضان وأغلق باب الكسل عن المساجد، ودخل الناس المساجد تدخل معهم، ولا نراك بينما يصلي الناس التراويح ،وأنت تقوم بتنزيل درس من الإنترنت !!

حتى إذا أغلق باب الزنا وغض الناس أبصارهم تغض بصرك معهم، ولا نراك تكنس الشوارع ببصرك وتقول: انظر كيف يتعمد النصارى العري في رمضان!!

حتى إذا أغلق باب المشاحنات والانشغال عن الأرحام ووصل الناس أرحامهم نراك معهم تصل رحمك، ولا نراك تختلق مبررات تقطع بها رحمك.

هكذا أيها الإخوة نعيش شعبان، لنربح به رمضان

فاللهم ابدأنا بعطفك ولطفك..

وارزقنا من رحماتك وبركاتك ما يجعل شعبان أبرك شهور حياتنا

وتقبل فيه خير أعمالنا.. وتجاوز فيه عن موبقاتنا..

وبلغنا رمضان ونحن في أفضل ما تحبه وترضاه من أحوالنا

وارزقنا قوة وعونا منك على طاعتك

آمين آمين آمين وصلى الله على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد حسين يعقوب

...تابع القراءة

| 1 التعليقات ]


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الله تعالى يحب أن يُسأل ، ويُرغبَ إليه في كل شيء ، ويغضب على من لم يسأله ، ويستدعي من عباده سؤاله ، قال الله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) غافر/60 .
وللدعاء من الدين منزلة عالية رفيعة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) رواه الترمذي  وأبو داود وابن ماجه  وصححه الألباني .


آداب الدعاء


1. أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، ممتلئاً قلبه بالتوحيد ، فشرط إجابة الله للدعاء : استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته .
قال الله تعالى: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة/186 .

2. الإخلاص لله تعالى في الدعاء .
قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) البينة/5 ،
 والدعاء هو العبادة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فالإخلاص شرط لقبوله .
3. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى .
 قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) الأعراف/180 .

4. الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله .
 روى الترمذي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ ادْعُهُ ) وفي رواية له  : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ ) . قَالَ : ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، ادْعُ تُجَبْ ) صححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2765 ، 2767) .

5. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه الطبراني في "الأوسط" (1/220) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (4399) .

6. استقبال القبلة .
 روى مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : ( اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ . . . الحديث .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ .
7. رفع اليدين .

 روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1320) .
ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطَى ، روى أبو داود (1486) عن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا ) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1318) .

8. اليقين بالله تعالى بالإجابة ، وحضور القلب .
 لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ ) رواه الترمذي (3479) ، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (2766) .

9. الإكثار من المسألة ، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة ، والإلحاح في الدعاء ، وعدم استعجال الاستجابة .
 لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ : يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) رواه البخاري  ومسلم  .

10. الجزم فيه .
 لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ ) رواه البخاري  ومسلم .

11. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة .
 قال الله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ) الأعراف/55، وقال : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) الأنبياء/90 ، وقال : ( واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ) الأعراف/205 .

12. الدعاء ثلاثاً .
روى البخاري ومسلم  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : ( بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، قَالَ : فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ . وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ - وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا - ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ - وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ - فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ) .

13. إطابة المأكل والملبس .
 روى مسلم  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) قال ابن رجب رحمه الله : فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا.هـ .

14. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به .
 قال الله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) الأعراف/55 ، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله : ( إذ نادى ربه نداءً خفياً ) مريم/3 .

فضل الدعاء

فضل الدعاء كبير والحديث عنه يطول ولكن التزاما بعدم الإطالة فاني أتحدث عن ذلك بإيجاز,فالمسلم إذا دعا ربه مخلصا في توجهه إليه جل وعلا موقنا بالإجابة,فانه ما من شك أن الله سيستجيب له دعاءه إن يصرف عنه من السوء,أو يثيبه عليه يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا ربه قبل غزوة بدر,وناشده ما وعده من النصر على أعداءه حتى كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول له من شدة إقباله على الله وتضرعه إليه :" يا نبي الله,بعض مناشدتك ربك,فان الله منجز لك ما وعدك ".ولا يخفى عليكم ما كان في بدر من النصر المبين على الرغم من قلة عدد المسلمين وعدتهم .

        والدعاء يقوي صلة العبد بربه فينهاه عن مخالفة أمره وعصيانه,ويفتح له أبواب خيره ونعمه  ففيه تقضى الحاجات وتدفع المحن والمصائب ويثبت الأجر بعونه تعالى,وبالدعاء تتحقق طمأنينة القلب,وصفاء النفس,فيشعر المسلم بالرضا والسكينة والأمن فينال غاية ما يتمنى الإنسان وشاهد ذلك المئات من حالات الانتحار التي تسجل سنويا في غير بلاد الإسلام على الرغم من توفر جميع ما يحتاجه البشر في معيشتهم لما يعانوه من الفراغ الروحي ونقص الطمأنينة التي تعمر قلوب المؤمنين بالله عز وجل.

         والدعاء كذلك يعلم المسلم الصبر على المصائب بل يزرعه في نفسه حتى يكون جزءا منه لا يفارقه,فيكون أقوى عزيمة لانه التجأ إلى الله القوي المتين الذي لا يرد من يلتجأ إليه,وقد ورد عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن ربكم  حيى كريم يستحي من عبده ان يرفع إليه يديه فيردهما صفرا أو قال خائبتين "رواه ابن ماجة والترمذي  . 
 ولنا في صبر أيوب عليه السلام  وقصته التي سنعرض لها بعونه تعالى في الفصل الأول من هذا الكتاب عبرة وعظة .

        ويتعلم المسلم من الدعاء الشكر على النعمة,فلا يجحد فضل من احسن إليه,ويقابل الحسنة بمثلها أو بأحسن منها,والدعاء يشعر المسلم على الدوام بفضل الله تعالى عليه,ولا ينسى على الإطلاق انه تحت رحمته ويدرك يقينا انه لن يتسنى له مكانا ولا زمانا يعصي الله فيهما دون أن يبصره ويطاله عقابه سبحانه .
ويستحب للمسلم أن يدعو الله تعالى في جميع أوقاته ولكنه سبحانه قد خص بعض الأوقات بمزيد من الفضل على سائر الأوقات,فيكون الدعاء فيها اكثر قبولا عنده تعالى ونذكر في هذه العجالة بعض منها :     

1- يوم عرفه .
2 - ليلة القدر .
3 - في الثلث الأخير من الليل .
4 - بين الأذان و الإقامة .
5 - يوم الجمعة .
6 -  في السجود أثناء الصلاة .
7 - أدبار الصلوات المكتوبة .
8 - في السفر .
9 - عند نزول الغيث .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح ، والسلاح بضاربه ، لا بحده فقط ، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به ، والساعد ساعد قوي ، والمانع مفقود ، حصلت به النكاية في العدو . ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير ) الداء والدواء ص35 .

فيتبين من ذلك أن هناك أحوالا و آدابا  و أحكاما يجب توفرها في الدعاء و في الداعي ، و أن هناك موانع و حواجب تحجب وصول الدعاء و استجابته يجب انتفاؤها عن الداعي و عن الدعاء ، فمتى تحقق ذلك تحققت الإجابة .

الأسباب المعينة للداعي على تحقيق الإجابة :
1 - الإخلاص في الدعاء ، وهو أهم الآداب وأعظمها وأمر الله عز و جل بالإخلاص في الدعاء فقال سبحانه : ( وادعوه مخلصين له الدين ) ، والإخلاص في الدعاء هو الاعتقاد الجازم بأن المدعو وهو الله عز وجل هو القادر وحده على قضاء حاجته و البعد عن مراءاة الخلق بذلك .

2 - التوبة والرجوع إلى الله تعالى ، فإن المعاصي من الأسباب الرئيسة لحجب الدعاء فينبغي للداعي أن يبادر للتوبة والاستغفار قبل دعائه قال الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) .

3 - التضرع و الخشوع و التذلل و الرغبة و الرهبة ، و هذا هو روح الدعاء و لبه و مقصوده ، قال الله عز وجل : ( ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين ) .

4 - الإلحاح والتكرار وعدم الضجر والملل : ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين أو ثلاث و الاقتصار على الثلاث أفضل اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا ). رواه أبو داود و النسائي .

5 - الدعاء حال الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر و السعة ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) رواه أحمد .
6 - التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى و صفاته العليا في أول الدعاء أو آخره ، قال تعالى : ( و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) .

7 - اختيار جوامع الكلم و أحسن الدعاء و أجمعه و أبينه ، و خير الدعاء دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ، و يجوز الدعاء بغيره مما يخص الإنسان به نفسه من حاجات .

و من الآداب كذلك و ليست واجبة : استقبال القبلة و الدعاء على حال طهارة و افتتاح الدعاء بالثناء على الله عز و جل و حمده و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، و يشرع رفع اليدين حال الدعاء .

و من الأمور المعينة على إجابة الدعاء تحري الأوقات و الأماكن الفاضلة .
فمن الأوقات الفاضلة : وقت السحر و هو ما قبل الفجر ، و منها الثلث الآخر من الليل ، و منها آخر ساعة من يوم الجمعة ، و منها وقت نزول المطر ، و منها بين الأذان و الإقامة .
و من الأماكن الفاضلة : المساجد عموما ، و المسجد الحرام خصوصا .
و من الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء : دعوة المظلوم ، و دعوة المسافر ، و دعوة الصائم ، و دعوة المضطر ، و دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب .

أما موانع إجابة الدعاء فمنها :
1- أن يكون الدعاء ضعيفا في نفسه ، لما فيه من الاعتداء أو سوء الأدب مع الله عز و جل ، و الاعتداء هو سؤال الله عز وجل ما لا يجوز سؤاله كأن يدعو الإنسان أن يخلده في الدنيا أو أن يدعو بإثم أو محرم أو الدعاء على النفس بالموت و نحوه . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) رواه مسلم .

2 - أن يكون الداعي ضعيفا في نفسه ، لضعف قلبه في إقباله على الله تعالى . أما سوء الأدب مع الله تعالى فمثاله رفع الصوت في الدعاء أو دعاء الله عز و جل دعاء المستغني المنصرف عنه أو التكلف في اللفظ و الانشغال به عن المعنى ، أو تكلف البكاء و الصياح دون وجوده و المبالغة في ذلك .

3 - أن يكون المانع من حصول الإجابة : الوقوع في شيء من محارم الله مثل المال الحرام مأكلا و مشربا و ملبسا و مسكنا و مركبا و دخل الوظائف المحرمة ، و مثل رين المعاصي على القلوب ، و البدعة في الدين و استيلاء الغفلة على القلب .

4 - أكل المال الحرام ، و هو من أكبر موانع استجابة الدعاء ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، و إن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) و قال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك !! ) رواه مسلم . فتوفر في  الرجل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأمور المعينة على الإجابة من كونه مسافرا مفتقرا إلى الله عز و جل لكن حجبت الاستجابة بسبب أكله للمال الحرام ، نسأل الله السلامة و العافية .

5 - استعجال الإجابة و الاستحسار بترك الدعاء ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم .

6 - تعليق الدعاء ، مثل أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت ، بل على الداعي أن يعزم في دعائه و يجد ويجتهد ويلح في دعائه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له ) رواه البخاري و مسلم  .

ولا يلزم لحصول الاستجابة أن يأتي الداعي بكل هذه الآداب و أن تنتفي عنه كل هذه الموانع فهذا أمر عز حصوله ، و لكن أن يجتهد الإنسان وسعه في الإتيان بها .

ومن الأمور المهمة أن يعلم العبد أن الاستجابة للدعاء تكون على أنواع : فإما أن يستجيب له الله عز وجل فيحقق مرغوبه من الدعاء ، أو أن يدفع عنه به شرا ، أو أن ييسر له ما هو خير منه ، أو أن يدخره له عنده يوم القيامة حيث يكون العبد إليه أحوج .

والله تعالى أعلم  .
...تابع القراءة

| 5 التعليقات ]




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } التوبة:36.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «.. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» رواه البخاري 2958
والمحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً وتأكيداً لتحريمه.

وقوله تعالى: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة في قوله: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }: "إن الظّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظّم الله، فإنما تُعَظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل". (انتهى ملخّصا من تفسير ابن كثير رحمه الله: تفسير سورة التوبة آية 36).

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ " رواه مسلم 1982.

قوله: «شهر الله» إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، قال القاري: الظاهر أن المراد جميع شهر المحرّم.

ولكن قد ثبت أنّ النبي لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله.

وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، ولعلّ لم يوح إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه.. (شرح النووي على صحيح مسلم).

الله يصطفي ما يشاء من الزمان والمكان:

قال العِزُّ بن عبدِالسَّلام رحمه الله: وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان:
أحدهما: دُنيويٌّ.. والضرب
 الثاني: تفضيل ديني راجعٌ إلى الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها.. (قواعد الأحكام 38/1).

عاشوراء في التاريخ:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: " مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " رواه البخاري 1865.

 

وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه "..
قال القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام. وقد ثبت أيضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدّم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيدا كما جاء في حديث أبي موسى قال: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا " وفي رواية مسلم: " كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا" وفي رواية له أيضا: " كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" .
 ققال النبي صلى الله عليه وسلم: " فَصُومُوهُ أَنْتُمْ " [رواه البخاري].

وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه، لأن يوم العيد لا يصام". (انتهى ملخّصا من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري).

فضل صيام عاشوراء:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" رواه البخاري 1867 .
 ومعنى "يتحرى" أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم 1976 .
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

أي يوم هو عاشوراء:

قال النووي رحمه الله: "عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمان ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو اليوم التّاسع منه.. وبه قال جُمْهُورُ العلماء.. وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة". "وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية".
وقال ابن قدامة رحمه الله: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن، لما روى ابنُ عبّاس، قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء:

روى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ". قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه مسلم 1916.
 قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: "يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع".
 وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرّم كان أفضل وأطيب.

الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء:

قال النووي رحمه الله: "ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ، كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ.
الثَّالِثَ: الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلالِ، وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ". انتهى.

وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ في عَاشُورَاءَ: " لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لاَصُومَنَّ التَّاسِعَ " (الفتاوى الكبرى ج6 سد الذرائع المفضية إلى المحارم).

وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» ما همّ به من صوم التاسع يُحتمل معناه أن لا يقتصر عليه بل يُضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يُشعر بعض روايات مسلم".

حكم إفراد عاشوراء بالصيام:

قال شيخ الإسلام: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ.". (الفتاوى الكبرى ج5).
وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: "وعاشوراء لا بأس بإفراده.." (ج3 باب صوم التطوع).

يُصام عاشوراء ولو كان يوم سبت أو جمعة:

ورد النهي عن إفراد الجمعة بالصوم، والنهي عن صوم يوم السبت إلا في فريضة ولكن تزول الكراهة إذا صامهما بضمّّ يوم أو إذا وافق عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم أو نذراً أو قضاءً أو صوماً طلبه الشارع كعرفة وعاشوراء.. (تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع، مشكل الآثار ج2: باب صوم يوم السبت).

وقال البهوتي رحمه الله: "وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ إفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أُخْتِهِ: "لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
 وَلأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ.. (إلا أَنْ يُوَافِقَ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ (عَادَةً) كَأَنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ عَادَتَهُ صَوْمُهُمَا فَلا كَرَاهَةَ; لأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ". (كشاف القناع ج2: باب صوم التطوع).

ما العمل إذا اشتبه أول الشهر؟

قَالَ أَحْمَدُ: "فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ". (المغني لابن قدامة ج3 الصيام - صيام عاشوراء).

فمن لم يعرف دخول هلال محرّم وأراد الاحتياط للعاشر بنى على إكمال ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة ثم صام التاسع والعاشر، ومن أراد الاحتياط للتاسع أيضاً صام الثامن والتاسع والعاشر (فلو كان ذو الحجة ناقصاً يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقيناً). وحيث أنّ صيام عاشوراء مستحبّ ليس بواجب فلا يُؤمر النّاس بتحرّي هلال شهر محرم كما يؤمرون بتحرّي هلال رمضان وشوال.

صيام عاشوراء ماذا يكفّر؟

قال الإمام النووي رحمه الله: "يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ. ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ... كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ". (المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ". (الفتاوى الكبرى ج5).

عدم الاغترار بثواب الصيام:

يَغْتَرُّ بَعْضُ الْمَغْرُورِينَ بِالاعْتِمَادِ عَلَى مِثْلِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلِّهَا، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةٌ فِي الأَجْرِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "لَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهِيَ إنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ، فَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ لا يَقْوَيَانِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ إلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إلَيْهَا، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ. وَمِنْ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ طَاعَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَعَاصِيهِ، لاَنَّهُ لا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَلا يَتَفَقَّدُ ذُنُوبَهُ، وَإِذَا عَمِلَ طَاعَةً حَفِظَهَا وَاعْتَدَّ بِهَا، كَاَلَّذِي يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ أَوْ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمّ يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ وَيُمَزِّقُ أَعْرَاضَهُمْ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لا يَرْضَاهُ اللَّهُ طُولَ نَهَارِهِ، فَهَذَا أَبَدًا يَتَأَمَّلُ فِي فَضَائِلِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّهْلِيلاتِ وَلا يَلْتَفِتُ إلَى مَا وَرَدَ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُغْتَابِينَ وَالْكَذَّابِينَ وَالنَّمَّامِينَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ، وَذَلِكَ مَحْضُ غُرُورٍ". (الموسوعة الفقهية ج31: غرور).

صيام عاشوراء وعليه قضاء من رمضان:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِكَوْنِ الْقَضَاءِ لا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ، كَالْمَنْذُورِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ كَانَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ أَوْ كَانَ مُؤَكَّدًا كَعَاشُورَاءَ وَتَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى حُرْمَةِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَعَدَمِ صِحَّةِ التَّطَوُّعِ حِينَئِذٍ وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْقَضَاءِ، وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَرْضِ حَتَّى يُقْضِيَهُ. (الموسوعة الفقهية ج28: صوم التطوع).

فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان ليتمكن من صيام عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنيّة القضاء من الليل أجزَأه ذلك في قضاء الفريضة، وفضل الله عظيم.

بدع عاشوراء:

سُئِلَ شَيْخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ، وَالاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.. هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَلا غَيْرِهِمْ، وَلا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا الصَّحَابَةِ، وَلا التَّابِعِينَ، لا صَحِيحًا وَلا ضَعِيفًا، وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.. وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ». وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذِبٌ.

ثم ذكر رحمه الله ملخصا لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال:

"فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ، تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.. وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإسلام، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ.. وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإسلام لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ. فَعَارَضَ هَؤُلاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ، وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ، وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، فَوَضَعُوا الأثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَالاكْتِحَالِ وَالاخْتِضَابِ، وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ، وَطَبْخِ الأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ، فَصَارَ هَؤُلاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الأَعْيَادِ وَالأَفْرَاحِ، وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الأَحْزَانَ وَالأَتْرَاحَ، وَكِلا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ.." (الفتاوى الكبرى لابن تيمية).

وذكر ابن الحاج رحمه الله من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً، وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء. (المدخل ج1 يوم عاشوراء).

نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


لفضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد

 
...تابع القراءة

المشاركات الشائعة