| 0 التعليقات ]




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم



إلى كل مؤمن مهموم ..

إلى كل مبتلىً مغموم ..

إلى الراضين بالقضاء والقدر ..

إلى المحتسبين عند الله الأجر ..


 
اسمع كلام الله عز وجل حين قال :
( سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد :24

ونحن أحبائي في الله نحتاج إلى الصبر في كل المجالات وفي كل الأوقات في الشدة وفي الرخاء ..
نحتاج للصبر عند حفظ الأسرار ، ونحتاج للصبر لترك الفضول من العيش ،
ونحتاج إلى الصبر لتر الغضب والعفو عن الناس .
نحتاج إلى الصبر لترك الذنوب ..

أن نكرر إذا اعترضننا الذنوب : إننا نخاف الله ..
نحتاج للصبر في فعل الطاعات والمداومة عليها ،



نحتاج إلى الصبر في طلب العلم والدعوة إلى الله ،
ونحتاج إلى الصبر في كل مجالات الحياة ..
وكل الأخلاق الفاضلة التي يتحلى بها الرجال إنما تدل على صبرهم ..
فالشجاعة صبر ، والحلم صبر , والزهد صبر ، والعفة صبر ..


وللصبر مراتب خمسة

 
أولها صابر : وهو أعمّها .

ومصطبر : وهو المكتسب للصبر .

ومتصبِّر : أي يحمل نفسه على الصبر .

وصبور : العظيم الصبر في الوصف والكيف .

ثم صبّار : يعني الشديد الصبر في القدر والكم .


وقال ابن القيم رحمه الله الصبر باعتبار متعلقة ثلاثة .
صبر الأوامر والطاعات حتى يؤديها .
صبر عن المخالفات والنواهي حتى لا يقع فيها .
وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها .



الصبر هو حبس النفس على طاعة الله بالمحافظة عليها دواماً ، ورعايتها إخلاصاً ، وتحسينها علماً ..
هو حبسُ النفس عن الجزع و التسخط ، وحبسُ اللسانِ عن الشكوى ، وحبسُ الجوارح عن التشويش ..
هو تركُ الشكوى من ألمِ البلوى لغير الله ، إلاَّ إلى الله ..

ولقد أمرنا الله عز و جل بالصبر فقال :
( يَا أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اْصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ) آل عمران :200

ونهانا الله عز و جل عن ضده فقال :
( فَاْصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) الأحقاف :35

وأمرنا الله بالاستعانة به فقال :
( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمنُوا اْسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة :153

وأثنى الله سبحانه وتعالى على الصابرين فقال :
( وَ الصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ البَّأسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) البقرة :177

و إخبارهم الله بحبه لهم فقال : ( وَ اللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) آل عمران :146

وأخبرهم عن معيته لهم : ( وَ اصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال :46

ومن آيات الصبر أخبرنا سبحانه وتعالى أن الصبر خير لأصحابه ,وأنه يؤتيهم أجرهم بغير حساب..

فتأمل في هذه الآيات

قال الله تعالى

( إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) هود :11

وقال : ( إِنَّمَا يُوَفَى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر :10

( وَ لَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوْفِ وَ الجُوْعِ وَ نَقصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَ الأَنفُسِ وَ الثَمَرَاتِ وَ بَشْر ِالصَّابِرِينَ ) البقرة :155

اللهم اجعلنا منهم …

وجمع للصابرين من الفضل والأجور ما لم يجمعها لغيرهم فقال الله سبحانه وتعالى :

( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَّبّهِم وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ) البقرة :157

أقول لمن أراد أمر من أمور الدنيا لا بدَّ أن يصبر ويصابر ..

فكيف من أراد الفلاح بالآخرة .. !

كيف من أراد حور وقصور وحبور , فطلَّاب الجنَّات أولى بالصبر والتحمّل ..

كيف وقد حُمِّلوا الأمانة التي لتنوء بحملها السماوات والأرض والجبال ..



أحبائي في الله



إنَّ أهل الإيمان أشدّ تعرضاً للأذى والمحن والابتلاء في أموالهم وأنفسهم وكل عزيز
لديهم لأنهم ينشدون الجنة وهي سلعة الله الغالية , فلا بدَّ لها من ثمن ولا مفرَّ
من الثمن , إنَّ الله اشترى, وهم باعوا ..
ولقد دفع الثمن أهل الحق على مرّ العصور، فلا بدَّ أن يدفعه من سار على طريقهم ..

قال الله تغالى :

( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت

قال صلى الله عليه وسلم :

( أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة اشتدَّ عليه البلاء وإن كان في دينه رقة خُفف عنه البلاء ولا يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة )
المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 3/45

 
عباد الله .. لا بد من الابتلاء ..

 
قال أهل العلم لأمور عدة أولها تطهير الصفوف كما قال الله تعالى :
( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلِيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِبِ ) ال عمران :179
ومن حكم البلاء أيضاً تربية المؤمنين ففي الابتلاء نضج و تقوية للصفوف
و صقل للمعادن كما قال الله تعالى :
( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنوُا وَ يَمْحَقَ الكَافِرِينَ ) ال عمران :141

وكما قال الله تعالى :
( وَ لِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِصَ مَا فِي قُلُوبِكُم وَ اللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ال عمران :154

ومن حكم البلاء أيضاً رفعة الدرجات ومضاعفة الحسنات وتكفير للسيئات فيخرجون
من الابتلاء كيوم ولدتهم أمهاتهم ..
فالذنوب أحبائي لازمة للبشر فمن رحمته تعالى ابتلاهم وتعاهدهم بالبلاء من حين إلى حين لتتحات عنهم خطاياهم ..

بالصبر كما قال صلى الله عليه وسلم :

( فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) مسند أحمد

 
وإن كان الصبر ضرورة لأهل الإيمان فهو أكثر وأشد ضرورة للرسل والأنبياء ومن
سار على طريقهم من الأتباع الصادقين ..

قال الله لنبيه ( فَاْصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) الأحقاف :35

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أشد هؤلاء ابتلاءً . قال بأبي هو وأمي :
( لقد أُوذيت في الله وما يُؤذى أحد ، ولقد أُخفت في الله وما يُخاف أحد )
المصدر: الشمائل المحمدية - الصفحة أو الرقم: 116

حوصر في الشعب .. عُذب أصحابه .. مات أبناءه .. طعن في شرفه وعرضه ..
مؤامرات لاغتياله ..أُخرج من دياره ..ومع هذا يردد ويقول :
( أفلا أكون عبداً شكوراً ) متفق عليه

بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه برسالة إلى أبي موسى قال فيها :
اعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر,
الصبر في المصيبات حسن لكن الصبر عما حرّم الله أحسن ,
لا بدَّ أن تعلم رعاك الله أن الحال لا تدوم على وتيرة واحدة
فما من بلاء إلاَّ وخلفه فرج والعكس بالعكس ..

تأمل في قول الله تبارك وتعالى :

( لِكَيْلا لا تَأْسَواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُواْ بِمَا آَتَاكُمْ وَ اللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد :23

 
فلا بدَّ أن يعلم المبتلى أن الفرج آت لا محالة …

وحتى تهون عليك المصيبة أخي المبتلاء , انظر إلى مصاب غيرك ,
آدم عانى المحن إلى أن خرج من الدنيا , أُخرج من الجنة ،
وتاه في الأرض ، وقتل هابيل قابيل , وبكى نوح ثلاثمائة عام ،
وصبر على قومه ألف سنة إلاخمسين عاما ، وأخذالطوفان ابنه ولم تؤمن زوجته , ثم أُلقي في النار الخليل ، ووضع ابنه وزوجه في وادٍ غير
ذي زرع ،ثم يأمره الله بذبحه ثم هو يصبر ويحتسب , وبكى يعقوب حتى ذهب
بصره على ولده , وقاسى موسى من فرعون ومن بني إسرائيل ما قاسى ,
وعيسى ابن مريم لا مأوى له إلاَّ البراري والصحراء ,
ومحمد صلى الله عليه وسلم مطارد في الغار ، قاسى الفقر، وقُتل أصحابه ,
وهم أشد الناس حباً وثقة بالله ..

 
ما تمر به بلادنا اليوم من فتن ومصائب وأهوال جسام , تحتاج إلى صبر وثقة
ويقين بربّ العالمين ، وأنه لا يأتي من الله عز وجل إلاَّ خير .



قال الله تعالى
( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) الشعراء :227


عدد التعليقات على:" وبشر الصابرين .." : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة