أهمية اتباع السنة في الدعاء
كما أن الدعاء يُشترط فيه إخلاصه لله عزَّ وجل ليكون مقبولًا عنده؛
فكذلك يُشترط فيه المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛
إذ أن هذين الأمرين "أعني الإخلاص والمتابعة "
هما شرطا قبول الأعمال كلها، فلا قبول لأي عمل من الأعمال إلا بهما،
كما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: "دين الله أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".
وقد جاءت السنة النبوية بالهدي المبين والسَنن القويم والصراط المستقيم، الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم سواء في الدعاء أو في غيره من الأعمال التي يُقصد بها التقرب إلى الله، فالسنة قد دلَّت على جنس المشروع والمستحب في ذكر الله ودعائه كسائر العبادات، فقد بيَّن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمته ما ينبغي لهم أن يقولوه من ذكرٍ ودعاءٍ في الصباح والمساء، وفي الصلوات وأعقابها، وعند دخول المسجد، وعند النوم، وعند الانتباه منه، وعند الفزع فيه، وعند تناول الطعام وبعده، وعند ركوب الدابة، وعند السفر، وعند رؤية ما يحبه المرء، وعند رؤية ما يكره، وعند المصيبة، وعند الهم والحزن، أو غير ذلك من أحوال المسلم وأوقاته المختلفة.
كما أنه صلى الله عليه وسلم بيَّن مراتب الأذكار والأدعية وأنواعها وشروطها وآدابها أتم البيان وأوفاه وأكمله، وترك أمته في هذا الباب وفي جميع أبواب الدين على محجَّة بيضاء وطريق واضحة لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فالمشروع للمسلم هو أن يذكر الله بما شرع، وأن يدعوه بالأدعية المأثورة؛ لأن الذكر والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على الاتباع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع؛ لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، وما سواها من الأذكار قد يكون محرمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها.
وليس لأحد أن يَسُنَّ للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعوا به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سنة فهذا إذا يعلم أنه يتضمن محرما لم يجزم بتحريمه لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، فهذا إذا لم يُعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يُجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعوا بأدعية تُفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب.
وأما اتخاذ وِرْد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرِّط أو متعدٍ".
ومع أن الأدعية المأثورة مشتملة على جماع الخير وتمام الأمر ونهاية المقاصد العلية وأشرف المطالب الصحيحة إلا أنك ترى في كثير من الناس من يعدل عنها ويرغب في غيرها؛ بل ولربما فضَّل غيرها عليها، ومن هؤلاء من يجعل لنفسه وِرْدًا خاصًا قاله بعض الشيوخ، فيلتزمه ويحافظ عليه، ويعظِّم شأنه، ويقدِّمه على الأدعية المأثورة والأوراد الصحيحة الثابتة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا من أشدِّ الناس نكوبًا عن الجادة.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: "ومن أشد الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم وحجة الله على عباده".
وقال المعلمي ـ رحمه الله ـ: "وما أخسر صفقة من يدع الأدعية الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكاد يدعوا بها ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟".
فالخير كل الخير في اتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، وترسُّم خطاه، ولزوم نهجه، فهو القدوة لأمته، والأسوة الحسنة لهم، وقد كان أكمل الناس ذكرًا لله، وأحسنهم قيامًا بدعائه سبحانه.
إرسال تعليق