| 0 التعليقات ]



الحمد الله و الصلاة و السلام على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم



الإخلاص بين العبد و ربه ...



الإخلاص هو الأساس الأعظم في الدين , و ركن العمل وصلاحه في الدين ,
و مسك القلوب وماء الحياة , و السر الذي بين العبد وربه ...
و به تميز أهل الإيمان من أهل النفاق وسكان النيران من سكان الجنان ...
فهو صفة من صفات عباد الله الصادقين و أهل الإيمان الراسخين ...
و هو الباب الذي دخل منه الواصلون إلى ذي الجلال والإكرام ....
إنه بداية الطريق , لمن أراد الحياة الطيبة السعيدة المباركة والخاتمة الحسنة والخلود في الجنة ...

هذا الموضوع الجليل الذي يستحق الاهتمام والتذكير وكم نفتقر إلى التذكير به وتعليمه !
فمن أراد الحياة الطيبة بلا إيمان وعمل الصالح فقد حاول المستحيل وطلب الممنوع .
إننا بحاجة إلى هذا الموضوع كحاجتنا إلى الماء والطعام وأزيد وكما قيل في التوبة .
إنها بداية كل سالك ونهاية كل ناسك ، فكذلك الإخلاص يحتاج إليه أهل المنازل العالية
في الإيمان ومن دونهم إلى أقل أهل الإيمان إيماناً .
نحتاج إلى الحديث عن الإخلاص لأننا ولله المشتكى قد أصابتنا جراحات الذنوب
فمنا أسير , ومنا كسير ومنا مقطوع ومنا مسحور ومنا مسموم .



الإخلاص



*****

هو إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد ، و أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون شيء آخر
من تصنع لمخلوق ، أو اكتساب صفة حميدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق ،
أو أي معنى من المعاني ، سوى التقرب به إلى الله تعالى .
أنا منزلة الإخلاص , منزلة كبرى في الإسلام فهي حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام.
وأن أخلص الناس لرب الناس هو رسول الله صلى الله عليه و سلم , ثم أولو العزم من الرسول ..
ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
قال الله تعالى :
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) البينة : 5
وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده قاصدين الإخلاص بعبادتهم وجهه, مائلين عن الشرك إلى الإيمان, ويقيموا الصلاة، ويؤدوا الزكاة, وذلك هو دين الاستقامة , وهو الإسلام ..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "  مسلم - الصفحة أو الرقم: 4651



وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوصي بعض أصحابه فيقول : من خلصت نيته لله كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس
وقال ابن عباس : إنما يحفظ المرء على قدر نيته وكان السلف يحرصون على إخلاص النوايا في كل شيء يعملون به ,
 وعن زبيد اليامي قال : إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب



فيا أخي الحبيب فليكن لسان حالي وحالك قول الله سبحانه و تعالى :
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )الانعام : 162
فصلاتي وعبادتي وإخلاصي أصرفها لله عز وجل لا لغيره فهذا منهجي وهذا سبيلي ..



قال ابن القيم : فإسلام الوجه , إخلاص القصد والعمل لله ،
والإحسان فيه متابعة رسول الله صلى الله عليه و سلم وسنته .
قال الله تعالى
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْأَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) ) الملك



وعن قوله (أحسن عملا) ؟ , قال: هو أخلصه وأصوبه .
أي إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ،أي ذلك في سبيل الله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6417
فبين في هذا الحديث أن الجهاد لا يكون مقبولاً إلا إذا كان الباعث عليه الإخلاص لله عز وجل .



قال ابن القيم: العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه ,وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في معالي الأمور يكون توفيقه سبحانه وإعانته ..
فالإخلاص شرط قبول في الأعمال عند الله , لهذا قال المعصوم صلى الله عليه و سلم :
"إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً ويبتغى به وجهه " : صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3140



من مظاهر ضعف الإخلاص أو انعدامه والعياذ بالله ما يلي:
***********
1- الرياء والسمعة : يحب أن يرى الناس عمله أو يسمعوا به .
2- طلب رضى المخلوقين وتقديمه على رضى الخالق .
3- طلب العوض من المخلوقين ولو عوضاً معنوياً كالمدح والإعجاب .
4- النشاط إذا كان هناك ثناء ومدح ، والكسل والتقصير إذا كان هناك عيب وذم .
5- ينشط عند رؤية الناس ويكسل عند عدم رؤية الناس .
6- انتهاك حرمات الله في الخلوة مع إظهار تعظيمها أمام الناس .
7- طلب الشهرة .
8- يعمل إذا صدر ويقف إذا أهمل .
9- رفض النصيحة وعدم تقبل النقد الهادف .
10- أتباع الهوى .
11- حسد إخوته الذين فاقوه فيما يقربهم إلى الله ، كحفظ القرآن أو القيام بمشروع خيري أو طلب علم.
12- الشح وعدم البذل للدعوة.
13- ذم النفس في العلانية ليظهر أنه متواضع

أما مظاهر قوة الإخلاص فهي:

**********

1- يقصد وجه الله في كل دقيقة وجليلة .
2-أن يكون عمل الخلوة أحب إليه من عمل الجلوة .
3-عمله في السر مثل عمله في العلن أو أفضل .
4- يعمل في أي مكان وأي زمان وعلى أية حال .
5- يقدم الحق على كل شيء ولو خالف هواه
6- يعمل ومع ذلك يخشى عدم القبول كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت :سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية :
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)
قالت عائشة رضي الله عنها : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون .قال النبي صلى الله عليه و سلم:
( لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3175


أخي الحبيب أقدم إليك نموذج من السلف الصالح



هذا أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة , بالله عليك انظر إلى الفرق الشاسع والبون الواسع بين هذا وبين من يحب الحديث عن نفسه ويتغنى بما فعل حتى ولو كان في الماضي فيقول بعضهم الله أكبر يوم كنا كذا وكذا تغيرت الأحوال الله المستعان ..

قال ابن القيم : من تزين بما ليس فيه شانه الله ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله في أخي اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك..



وانظر إلى إخلاص زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه ظل فقراء المدينة عشرة سنوات يجدون طعامهم أمام بيوتهم ولا يعرفون من الذي يطعمهم وما عرفوا إلا يوم موت زين العابدين حيث انقطع الطعام كما انقطع الأكل علموا أن من كان يطعمهم
هو زين العابدين ", فلما أرادوا أن يغسلوا زين العابدين وجدوا في ظهره أثر سواد فقالوا :ما هذا السواد ؟ فاكتشفوا أنه من أثر حمل العجين والطحين على ظهره إلى بيوت الفقراء ليلاً .
فلاحظ الفرق بين هذا وبين من إذا تصدق قال لزملائه هناك أ ناس محتاجون ذهبت إليهمورأيت حالهم وأعطيتهم المقسوم ؛ وهو يريد إخبار الآخرين بعطائه يا أخي ألا يكفي أن الله يراك ولكن ما أتعس المرائين وما أبعد سعيهم وما أضل أعمالهم ؟!
تعبوا في غير تحصيل ، وسقوا من غير تأجيل لكن هنا انتبه إذا كان قصدك أن يقتدى بك وترفع من همم إخوانك فأنت على خير عظيم فمن سن سنة حسنة في الإسلام  فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة والدال على الخير كفاعله
ولكن إذا كانت الأخرى فهذا الخسران المبين ولأحول ولا قوة إلا بالله .



من ثمرات الإخلاص

******

1- قبول الأعمال
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه " صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3140

2- النصرة والتمكين على الأعداءقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ) : صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3178

3- نقاء القلب من الحقد والغل والخيانة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :في حجة الوداع :
" ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مؤمن إخلاص العمل لله والنيصحةللأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم يحيط وراءهم" صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2498
والغل هوالحقد والشحناء أي لايدخله حقد يزيله عن الحق.

4- مغفرة الذنوب من علام الغيوب
هذه تقدم ذكرها في البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له .



5- تحول المباحات إلى قربات لله عز وجل
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر .قال:أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" أعلام الموقعين - الصفحة أو الرقم: 1/181

6- إجابة الدعاء وتنفيس الكروب الهموم
هذا ظاهر في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت
عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فكان
كل واحد منهم بعد أن يذكر عملا صالحا قام به "يقول اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفجرت الصخرة وخرجوا يمشون"الحديث أصله في الصحيحين .



7- قلة الوساوس والأوهام
قال الله سبحانه و تعالى عن الشيطان :
( قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَني لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(40) الحجر

قال أبو سليمان الدراني :  إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء

8- إدراك الأجور من رب غفور وإن عجز عن العمل
وقد سبق ذكره في غزوة العسرة أن تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم , رجال يريدون أن يقاتلوا الكفار معه وأن يجودوا بأنفسهم في سبيل الله غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستطع تجنيدهم فعادوا وفي حلوقهم غصة لتخلفهم عن الميدان وفيهم نزل قول الله سبحانه و تعالى
(0وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ) التوبة :92



فقال للجيش السائر: " إن أقواما خلفنا في المدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا هم معنا حبسهم العذر" رواه البخاري
يدل على ذلك أيضا قوله صلى الله غليه وسلم:
من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " : مسلم  - الصفحة أو الرقم: 1909



9- النجاة من مضلات الفتن
قال الله سبحانه و تعالى عن النبي يوسف عليه السلام :
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ ربه كذلك لنصرف عنه السوءوالفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) يوسف :24
فيا سبحان الله ما أحوجنا إلى الإخلاص في هذا الزمان .



10- الإظلال في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله
كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .



11- مضاعفة الحسنات والدرجات .
روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إنك لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك " صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 579



12- تثبيت الله المخلصين الصادقين

13- الفوز بالجنة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة " الاستذكار - الصفحة أو الرقم: 4/92



15-النجاة يوم الدين من عذاب الله العظيم
فقد أخبرنا النبي صبى الله عليه و سلم :
"عن أول خلق لله تسعر بهم النار يوم القيامة وهم متصدق أنفق ليقال جواد ،وقاري تعلم العلم وعلمه ليقال عالم , ومجاهد قاتل ليقال جري" مسلم - الصفحة أو الرقم: 1905
وهذا الحديث حدث به أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحدث به.



16- الفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة" الاستذكار - الصفحة أو الرقم: 4/92
قال الله تعالى
(إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ(41) فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ(42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيم (43)) الصافات
فيا له من الثواب , ونعيم عظيم في الفردوس الأعلى.

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ،



والفعل والترك ، وأن يجنبنا الرياء والعجب .



وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .







عدد التعليقات على:" الإخلاص بين العبد و ربه" : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة