الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد :
التوكل على الله تعالى
فإن للتوكل على الله تعالى منزلة عظيمة في الإسلام،
يلحظها من تأمل النصوص الواردة فيه، وكل عبد مضطرٌ إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، كما أنه من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه،
يقول تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } الفرقان:58.
في هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه سبحانه وتعالى، وألا يركن إلا إليه؛ لأنه الحي الذي لا يموت،
وقد حَضَّ الله عباده المؤمنين على التوكل في مواضع عديدة من الكتاب العزيز، وبيَّن سبحانه ثمراته وفضائله:
ومن ذلك قوله سبحانه: { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } المائدة:23،
وقوله عزوجل: { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } التوبة:51،
وقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق:3،
وقوله جل وعلا: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ال عمران:159،
وقال سبحانه واصفاً عباده المؤمنين في معرض الثناء والمدح: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال:2
وفي السنة المطهرة تكاثرت النصوص الموضِّحة لأهمية التوكل والحضِ عليه،
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم توكَّلون على اللّه حق توكله، لَرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً، وتعود بِطاناً ".
قوله ( لو أنكم كنتم توكلون ) أي تعتمدون
( حق توكله ) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله وأن لا معطي ولا مانع إلا هو ثم تسعون في الطلب بوجه جميل وتوكل .
( لرزقتم كما ترزق الطير ) بمثناة فوقية مضمومة أوله ( تغدو ) أي تذهب أول النهار . (خماصا ) جمع خميص أي جياعاً .
( تروح) أي ترجع آخر النهار . ( بطانا ) جمع بطين وهو عظيم البطن والمراد شباعاً .
تعريف التوكل
التوكل من مادة (وكل) يقال: وكل بالله وتوكل عليه
وفي الاصطلاح (أي الشرع) اختلفت عبارات السلف في تعريف التوكل على الله تبعاً لتفسيره تارة بأسبابه و دواعيه وتارة بدرجاته وتارة بلازمه وتارة بثمارته وغير ذلك من متعلقاته. وسبب هذا الاختلاف أن التوكل من أحوال القلوب وأعمالها وهي صعبة أن تحد بحد أو تحصر بلفظ.
قال ابن عباس: التوكل هو الثقة بالله. وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك..
قال الحسن: إن من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته ..
الإمام أحمد: هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق ، وقال: وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به –
عبد الله بن داود الخريبي: أرى التوكل حسن الظن بالله
درجات التوكل من كلام ابن القيم في مدارج السالكين :
الأولى : معرفة الرب وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته .
الثاني : اثبات الأسباب ورعايتها والأخذ بها .
الثالثة : رسوخ القلب في مقام التوحيد .
الرابعة : اعتماد القلب على الله تعالى من دون تشويش الأسباب ولا سكون إليها .
الخامسة : حسن الظن بالله عز وجل .
السادسة : استسلام القلب وانجذاب دواعيه كلها .
السابعة : التفويض : هو ألقاء العبد أموره كلها إلى الله وإنزالها به طلباً واختياراً . لا كرها واضطراراً . والتفويض هو روح التوكل ولبّه وحقيقته .
الثامنة : الرضا .
أقسام التوكل ( مجاله ومتعلقاته ) مراتبه :
1ـ توكل على الله في استقامة نفسه وإصلاحها دون النظر إلى غيره .
2ـ توكل على الله في استقامة نفسه وكذلك في إقامة دين الله في الأرض ونصره .
3ـ توكل على الله في جلب حوائج العبد كالرزق والزواج والذرية .
4ـ توكل على الله في جلب محرم من أثم أو فاحشة .
أهمية التوكل ومنزلته من العقيدة والإيمان والسلوك :
التوكل على الله خلق عظيم من أخلاق الإسلام وهو من أعلى مقامات اليقين وأشرف أحوال المقربين وهو نظام التوحيد وجماع الأمر كما أنه نصف الدين والإنابة نصفه الثاني ومنزلة أوسع المنازل وأجمعها وهو مفتاح كل خير .وهو فريضة يجب اخلاصه لله تعالى وعقيدة إسلامية لقوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) المائدة : 23
فإن تقديم المحمول يفيد الحصر أي وعلى الله فتوكلوا لا على غيره .
أن التوكل شرط من شروط الإيمان ولازم من لوازمه ومقتضياته .
عوائق التوكل :
1ـ الجهل بمقام الله من ربوبية وألوهية وأسماء وصفات .
2ـ الغرور والإعجاب بالنفس .
3ـ الركون للخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات .
4ـ حب الدنيا .
علاقة التوكل بالأسباب :
موقف الناس من الأسباب على أربعة أقسام :
1ـ الإلتفات إلى الأسباب بالكلية واعتماد القلب والجوارح . كنظرة الماديين والعقلانيين .
2ـ الإعراض عن الأسباب بالكلية : كنظر غالب الصوفية للتوكل .
3ـ نفي تأثير الأسباب بالكلية : وصف العلماء هذا القول بأنه أنقص في العقل وهو قول القدرية الجبرية وكان رداً على القدرية النفاة لكنهم ردوا باطلاً بباطل .
4ـ قيام الجوارح بالأسباب واعتماد القلب على مسبب الأسباب سبحانه وتعالى : هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق الذي دل عليه الشرع والعقل وهو الوسط في كل مذهب فأثبت للأسباب تأثيراً في مسبباته لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله فيها من القوي الموجبة .
قال ابن القيم في مدارج السالكين
( لا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية ) .
فرق بين التوكل والتواكل :
ولقد حارب الإسلام التواكل وحذر منه وهو حرام ليس من الشرع أصلاً وهو مخالف للنصوص .
ثمار التوكل :
إرسال تعليق