| 0 التعليقات ]


حلاوة الإيمان من أهمِّ النِّعَم

الحمد لله , والصَّلاة والسَّلام على أشْرف المرسلين، وآله وصحْبِه ومَن تبِعه بإحْسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد :

يتخيل الكثير منا أن الوصول إلى حلاوة الإيمان هو أمر صعب المرام , ومقصور على فئة بعينها فقط تلك الفئة القادرة على التخلى عن جميع لذات الدنيا وشهواتها ونستصعب على أنفسنا أن نكون من هذه الفئة ،ونستسلم للحال الذي نحن عليه ولكن الحقيقة غير ذلك ،حيث إن الشعور بحلاوة الإيمان طريقه سهل جدا ، ولا يحتاج منا سوى عبادة صحيحة وإرادة قوية وإخلاص النية لله تبارك وتعالى

اعلَم أخي المسلم أنَّ حلاوة الإيمان من أهمِّ النِّعَم الَّتي أنعم الله بها على عباده المسلمين؛

لذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " ذاق طعمَ الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا " رواه البخاري.

فالحديث يدلّ على أنَّ مَن لَم يرْضَ بالله ربًّا، ودين الإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، لَم يذُق طعم الإيمان، كما هو ظاهر في سياق الحديث, ولكن اعلم أنَّ كلَّ هذا لا يكون إلاَّ بعد العلم, فمن تذوَّق حلاوة شيء فلا بدَّ أن يتأثَّر به، وبالتَّالي لا بدَّ أن يطلبه ويستَسيغه ويتلذَّذ به

وقد قال الله تعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ محمد: 19.

وقد ترْجم البخاري في كتابه الجامع لهذه الآية، فقال: باب العلم قبل القول والعمل.

واعلم أيضًا أنَّ الرِّضا بأصول الدّين هي النِّعْمة الحقيقيَّة التي يتنعَّم بها المسلم،

قال الله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ المائدة: 3،

فإذا أخذْنا بِما رضِي الله لنا، وهو الإسلام، واكتفيْنا بنعمته الَّتي أنعمها الله عليْنا؛ بل وكمَّلها وأتمَّها عليْنا، فإنَّنا سنُرضي الله - سبحانه - كما ينبغي؛

بل وسيَحْدُث مثل ذلك الرّضا في الآخرة إن شاء الله تعالى

قال تعالى: ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ البينة: 8.
وعليْنا أن نعرف الخطوات الآتية؛ لنرْتقي إلى الرِّضا المطْلوب منَّا كما يحبُّه الله ورسوله:

الخطوة الأولى:

لا بدَّ من العلم والعمَل بالأصول الثَّلاثة: وهي معرفة الله عزَّ وجلَّ بأنَّه هو الرَّبّ الخالق الرَّازق، مدبِّر الأمور، مالك الدّنيا والآخِرة, وهذا ما يُعرف بتوْحيد الربوبيَّة, ولا يكْفي هذا النَّوع من التَّوحيد؛ بل ولا يُنجي صاحبَه من النَّار؛ إذ كانت كفَّار قريش تقرُّ به كما ورد في القُرآن في آيات كثيرة تبيِّن ذلك،

قال تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يونس: 31.

وأمَّا توْحيد الألوهيَّة، فهو أن تعبد الله بِما استعبدك به من العبادات بالتَّوحيد، وألاَّ تشرك به شيئًا, ومنْه إفْراد الحكم لله وحْده, والدّعاء, والنَّذْر له وحْده، إلى غير ذلك من سائِر العبادات.

وأمَّا توْحيد الأسماء والصِّفات، فهو أن تعتقِد وتعبد الله بالعِلْم والإقرار، بأسْمائه الحُسْنى وصفاته العُلا، من غير تحريف ولا تأويل، ولا تَمثيل ولا تَعطيل، ولا تكْييف ولا تفويضٍ لمعانيها المعلومة.

وكذلك لا بدَّ من معرفة دين الإسلام بالأدلَّة, فدينُنا الإسلامي له مرجِعان أساسيَّان؛ وهما الكتاب والسنَّة، وما يلحقُهما من الإجْماع والقياس الصَّحيح والمصالح المُرْسلة؛ لذلك يطمئنّ قلبك وينشرح وتشْعر بالحلاوة الإيمانيَّة؛ بل وتهتدي بتلك الأدلَّة راضيًا بها.

أمَّا مَن أتاك بآرائه الشَّخصيَّة، أو بالخرافات أو بالخزعبلات، فمن السَّهل أن تضرب بأقواله عرض الحائط إن لم يأْتِ لك بدليل صريح صحيح من الكتاب والسنَّة، أو ما يلحقهما من أصول التَّشريع.

وكذلك لا بدَّ من معرفة حامل الرِّسالة العظيمة محمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الرحمة المهداة، العاقب الذي يحشر النَّاس على عقبه، الماحي الضَّحوك القتَّال، الفارق بين الحقّ والباطل, السِّراج المنير، مُخرِج النَّاس من ظُلمات الظلم والجهل والبغْي والمنكر والفساد، إلى سبُل السَّلام، وإلى نور العدْل والعلم والصَّلاح والإحسان، والخير والكرامة والشَّرف والرّفعة في الدنيا والآخرة.

فهذه الأمور الثلاثة سيُمْتحن بها المرء في قبرِه،

فيُقال له: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟

الخطوة الثَّانية:

شروط التَّوحيد؛ وهي العلم المنافي للجهل, والمحبَّة المنافية للكراهية, والصّدق المنافي للتَّكذيب والنّفاق, والإخلاص المنافي للشّرْك, والقبول المنافي للرَّدّ, والانقياد المنافي للإعراض, واليَقين المنافي للشَّكّ, وهذا اليقين هو أعْظم شرطٍ - في نظَري - الَّذي يمكن أن تحقّق به إيمانَك وتشعر بسبَبِه بحلاوة الإيمان, أمَّا باقي الشروط فهي تبَع لهذا الشَّرط, فمَن أوْصل عِلْمه إلى درجة اليقين، فلا بدَّ أن ينتفع بعلمه، وأن يحبَّ ربَّه، وأن يقبل شرعه، وأن يُصدِّق إيمانه بالاعتقاد والقول والعمل، وأن يخلص في دينه، وأن ينقاد له،، والله أعلم.

 
الخطوة الثالثة:

العلم مع العمل، والدَّعوة إلى الله والصَّبر, وقد اشتملت سورة العصْر على هذه المعاني الجليلة، وحكمتْ على مَن لم يتَّصف بها بالخسران، فتأمَّلها؛ لذلك نقول: لا يُمكن من أخلَّ بشيءٍ من هذه الأربعة في هذه السُّورة أن ينال رضا الله - سبحانه - مع كونِه سيشعر بدلاً من ذلك شعورًا منكدًا لا محالة, أمَّا مَن قام بكلّ ما عليه من الواجبات والحقوق، وصبر في سبيل ذلك على الأذى وتحمَّله، فسيشعر على الأقلِّ أنَّه قد ألقى عن عاتِقه تبعة المسؤولية أو المؤاخذة عليه يوم القيامة.

الوسائل المعينة

وهناك العديد من الوسائل المعينة على الاستمرار في الشعور بتلك الحلاوة، مثل:

كثرة ذكر الله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء،

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بثبات القلب على دين الله تعالى، فقد سئلت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: " كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ، فتلا معاذ (أحد رواة الحديث) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" رواه الترمذي وأحمد

فبذكر الله تعالى والأنس به وكثرة دعائه يطمئن القلب ويزداد إلايمان ونجد لذة العبادة.

صحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير الغضب من الكلام والمواقف والمجالس والأشخاص بالإضافة إلى الاستمرار على الوضوء يعد من أهم الأمور التي تساعدنا على الشعور بحلاوة الإيمان ولذة الطاعة والتي يمكنها أن تتحقق حتى أثناء قيام الإنسان بأعمال حياته العادية .

ومن تلك الوسائل المعينة على الشعور بحلاوة الإيمان أيضا:

غض البصر وفيها يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر جليلة القدر: إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله عز وجل خيراً منه ..).
فالذي يغض بصره يشعر بحلاوة الإيمان، ولذة الطاعة والقرب من الرحمن.

وكما أن للشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان معينات تساعدنا على ذلك فإن هناك الكثير من الأخطاء التي نقع فيها وتؤدي في النهاية إلى الحرمان من هذه النعمة العظيمة التى يوهبها لله لمن يحبه .

ويأتي عقوق الوالدين على قائمة تلك المذهبات لأنها من كبائر الذنوب ،

وجاء رجل من أهل اليمن حاجا ومعه أمه يحججها فجعل يطوف بها وهي على ظهره لعجزها عن المشي فلقي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فسأله : هل ترى أني أديت أمي حقها ؟ فقال له ابن عمر -رضي الله عنه-: ولا بزفرة من زفراتها حين الولادة!!.

ومن الذنوب التي تذهب لذة العبادة

الغيبة لأنها من كبائر الذنوب ولما جاء فيها من التهديد والوعيد في الكتاب والسنة .

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها لما قالت عن صفية رضي الله عنها : حسبك من صفية أنها قصيرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " رواه أبو داود والترمذي

فيجب علينا ترك الغيبة ، ويجب المداومة على الطاعة فهي من أسباب حصول الخشوع والخضوع للرب المعبود .



عدد التعليقات على:" حلاوة الإيمان من أهمِّ النِّعَم" : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة