| 0 التعليقات ]

 

080527072121blp0

وقفة مع بعض منكرات الأفراح

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، الذي يقول: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها". صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين،

أما بعد:


فإن الوليمة في الزواج سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله فقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج (أولم ولو بشاة)

وفعل ذلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة". هذه أكبر وليمة عملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زواجه مع حاجة أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى الطعام واللحم . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل هذا ليشرع لأمته التسهيل والتيسير ..

 فهل سلك الناس اليوم طريق محمد صلى الله عليه وسلم في ولائم الزواج؟

إننا حين ننظر إلى واقعنا المؤلم نجد ما يؤلم القلب ويوقع الأسى والحسرة في النفوس، نجد ما نخاف العقوبة مع وجوده، بينما الكثير منا يظل مدة طويلة يجمع الصداق للزواج ويجمع تكاليف الوليمة،

فإذا ما قرب الزواج أشغل باله وفكره في إعداد الوليمة،

ويظل يفكر ليله ونهاره كيف تكون الوليمة ؟ وكم يذبح من الأغنام؟

ومن يدعو إليها؟

وما المكان المناسب للوليمة؟

وهل تكون الوليمة موفقة أو لا؟

أسئلة وأفكار وهواجس تدور بخلد المتزوج تقلق راحته وتقض مضجعه، ويمر عليه زمن يعيش فيه على أعصابه حتى يفرغ منها، وهو لا يصدق بفراغه من هذه الوليمة، ويا ليت الأمر يقتصر على هذا ولكن الكثير من هذه الولائم -ويا للأسف- التي تقام يحصل فيها من الإسراف والتبذير ما الله به عليم، فتهدر قطعان عظيمة من الأغنام وبلادنا في أشد الحاجة إليها مما أدى إلى استيراد كثير من المواشي من خارج البلاد، وإنك لو فكرت في مؤونة هذه الولائم لوجدت الكثير منها نستورده من خارج البلاد، وكلنا يعلم عاقبة ذلكم السيئة، وياليت هذا الطعام الذي يقدم يأكله الفقراء والمحتاجون إليه، بل الكثير منه يأخذ طريقه إلى المزابل والصحراء، وا أسفاه نعمة الله نفعل بها هكذا؟!

والأدهى والأمر هذه الموضة التي بدأت تغزونا فسلكها كثير من الناس في ولائم الزواج، تلكم هي إقامة الولائم في الفنادق حيث تكلف الوليمة أموالاً خيالية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإنني أعتقد أن الإسراف في الولائم وتكاليف الزواج مرض اجتماعي خطير يهدد اقتصاد الأمة الإسلامية، بل يهدد أخلاقها بتعطيل كثير من الشباب والفتيات عن الزواج بسبب ذلكم الإسراف.

فمتى نسلك طريق محمد صلى الله عليه وسلم بالتسهيل والتيسير؟

إن أكبر وليمة أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزواجه وليمته على زينب، أولم بشاة، وأولم على بقية نسائه بأقل من ذلكم، روى البخاري وغيره عن صفية بنت شيبة أنها قالت رضي الله عنها: "أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير

وروى الخمسة إلا النسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بتمر وسويق،

وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس في قصة صفية "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل وليمتها التمر والأقط والسمن

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يولم بهذا ليبين لأمته سنته في الوليمة، وأنها ليست مقصورة على اللحم.
وإن الوليمة سنة في حق الزوج خاصة، دون الزوجة، فلم يكن أولياء الزوجات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعون وليمة لبناتهم في أعراسهن، بل إن هذا في حق الأزواج خاصة، وإن زواجاً يحصل فيه إسراف وتبذير ولهو وباطل لحري بالفشل والخيبة، وإن زواجاً يحصل فيه التيسير والتسهيل لزواج مبارك موفق إن شاء الله تعالى

كما قال رسول الله :صلى الله عليه وسلم: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة".

فسهلوا ويسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، أولموا بالشاة والشاتين، أو بغير ذلكم، تجمعون عليها أقاربكم الذين لا يَعذرون ولا يُعذرون بتركهم، وادعوا فقراءكم، ودعوا الناس لا تجبروهم، ولا تحرجوهم بدعوتكم إياهم، ووفروا اقتصاد بلادكم،

"يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"[الأعراف-31].

هذا وإن الإسراف في الوليمة هو أحد منكرات الأفراح والأعراس، وإنه ويا للأسف يحصل فيها، وفي القصور منكرات عظيمة ينبغي أن نشير إلى شيء منها:

وأول ذلك: الإسراف في بطاقة الدعوة، فكثير من الناس يرتكب شططاً في إعداد بطاقة الدعوات، وأصبحت البطاقة مظهراً من مظاهر التفاخر والمباهات، وقد تبلغ بطاقة الدعوة مبلغاً عظيماً من المال، ويكون مصيرها أن ترمى في النفايات، وربما تداس في الأقدام وفيها اسم الله سبحانه وتعالى، أليس الجدير بالمسلم المؤمن الذي يتقي الله ويراقبه ويرجو أن يحفظ الله عليه هذه النعمة، وأن يبارك له في زواجه أن يختار بطاقة مناسبة اقتصادية؛ لأن المقصود من البطاقة -كما هو معلوم- أن تدعو من تريد إلى حضور المناسبة، وليس المقصود منها أن تبرز قيمتك عنده وتفتخر بهذه البطاقة حينما تقدمها لمن تدعوه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة".

والواقع اليوم في كثير من البلاد تكون هذه البطاقات على حساب صداق هذا المسكين (الزوج)، وعلى نفقته الذي ربما يكون سبباً في فشل الزواج بينهما.

ومن المنكرات: الإسراف في اللباس، والتفنن في التفصيل حسب ما تراه المرأة في وسائل الإعلام الوافدة بواسطة الأطباق الفضائية أو الصحف والمجلات الماجنة من موديلات التفسخ والعري من ملابس قصيرة أو شفافة، أو تبرز شيئاً من حجم جسمها كالصدر والظهر والساقين، وربما يكون مشقوقاً يبدو منه كل شيء، وهذا منكر عظيم كبير،

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم.
ويا ليت هذا اللباس يكون مقصوراً على الزوج أو في بيتها، وإنما تفعله لتعلن هذا المنكر أمام النساء، وأمام كل من يراها -والعياذ بالله- فتفتن نفسها وتفتن غيرها،

وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟" رواه البخاري ومسلم.
وإن هذه الموديلات التي غزتنا وسرت في أمتنا وفي بلادنا سريان النار في الهشيم، تنتشر وتسرع في انتشارها فأكلت الأخضر واليابس إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، بدأت في الأطفال الصغيرات، ثم بعد ذلك في الكبيرات، فأصبح من يحضر ذلك من النساء يخبرننا عن شيء يندى له الجبين، وتتفطر له مرارة كل غيور على دينه حينما يرى هذه المرأة التي كان أهلها ذروة في الطهر وفي الصلاح والاستقامة والشيمة والحمية والغيرة، يرى ابنتهم، أو يرى موليتهم تتفنن في عرض نفسها كأنها في سوق معرض الأزياء –والعياذ بالله- وكل ما تراه على هذه الشاشات الماجنة المدمرة تريد أن تطبقه أمام النساء، ألا فلتعلم هذه المرأة المسكينة أنها حينما تفعل ذلك إنها تفتن نفسها وتفتن غيرها، وتكون وسيلة دعاية إعلان لهذا الخزي، ولهذا التفسخ، ولهذا الشر العظيم المستطير، ثم ربما يبتليها الله سبحانه وتعالى بعين شيطانية،

وكثيراً ما تصاب المرأة حينما تأتي من فرح من الأفراح، تصاب بجنون، أو بمرض نفسي، تصبح قعيدة بيتها أو معقدة في حياتها حتى تموت، وهذا كله من جراء ما فعلت، وحينما تلبس مثل هذه الملابس الفاسخة قد تراها امرأة محرومة من هذا الجمال، أو محرومة من هذه الصفات، أو ربما تعجب بها امرأة ثم يصادف هذه النظرة شيطان حاضر واقف أمام امرأة غير مدعومة ولامحصنة بشيء من آيات الله، ولا بالأوراد، ولا بطاعة الله سبحانه وتعالى، بل هي منغمسة في الرذائل، وفي الفسق، فبذلك يصادف باباً مفتوحاً من أبواب هذه المرأة فيدخل الشيطان ويتربع عليها، ثم بعد ذلك هيهات أن يخرج منها الشيطان، وأن يخرج منها هذا المرض، وأن يخرج منها هذا البلاء إلا أن يشاء الله، فاتقوا الله يا عباد الله، ولتتق كل امرأة الله سبحانه وتعالى، وتحرص على الطهر والستر والعفاف.

ومن المنكرات أيضاُ: نفقات إعداد هذه الفساتين نفقات هائلة، ويبلغ بعض الفساتين عشرة آلاف، بل أكثر من ذلك، بل قل يبلغ ألفاً أو ألفين، ثم لا تلبسه إلا مرة واحدة في هذه المناسبة، فيا ليتها حينما تفصل فستاناً يعيش معها هذا الفستان ما دام صالحاً للبس، وفي كل مناسبة تغسله وتنظفه ثم ترفعه، ثم تعيده مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات أن تلبسه، بل مصيره إلى النفايات-والعياذ بالله-

فتصور حال ذلك الرجل الذي عنده دخل بسيط، ومناسبات زوجته كثيرة، بنت عمها، وأختها، وقريبتها، وربما يكون عنده عدت بنات أيضاً، ويحتاج إلى أن يفصل لهن مثل هذا التفصيل بهذه المبالغ الكثيرة، ما الذي يبقى من دخله؟!، مهما كان عنده من مرتب، ومهما كان عنده من مال، إذا كان ينفق في كل مناسبة بما لا يقل عن عشرة آلاف أو أكثر، ما الذي يبقى له؟ إن الإغراق في هذه الكماليات سبب خراب البيوت، ودمار حياتها الاقتصادية؟ والمستفيد من ذلك كله الشيطان، وأعداء الإسلام.

ومن المنكرات أيضاً: إحضار المغنيات وبصحبتهن آلات اللهو من عود أو مزمار أو طبل، أو غير ذلك، وقد جاء في الحديث: "صوتان ملعونان: صوت مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة". أخرجه البزار وحسنه الألباني،

فهل في الإتيان بالمزامير وبالمغنيات والراقصات شكر لنعمة الله سبحانه وتعالى؟!

وإذا لم يتيسر ذلك يأتون بأشرطة تسجيل لتوضع في المسجل، ثم يرقص عليه النساء والفتيات الصغيرات والكبيرات، ويتفنن في أنواع الرقص اللاتي رأينه على شاشات هذه الأطباق الفضائية، ويحرصن أن يطبقن تلك الحركات في هذا المكان، فأصبحت قصور الأفراح مدرسة تُعلم فتياتنا ونساءنا الخلاعة، والتفسخ والعري، وأساليب الرقص، وإنها لمصيبة كبيرة.

وقد قال الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"[لقمان:6]

قال ابن مسعود : إن لهو الحديث: الغناء والمزامير، ويحلف على ذلك ثلاث مرات، والله إن لهو الحديث الغناء والمزامير، والله إن لهو الحديث الغناء والمزامير،

وكذلك روي عن ابن عباس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، ترجمان القرآن، الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهم علمه التأويل، وفقهه في الدين

والله سبحانه وتعالى يقول: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً".[الإسراء:64]

قال ابن عباس: صوت إبليس الذي قال الله فيه: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ"[الإسراء:64]. هو صوت إبليس: وهو الغناء والمزامير.

وروى الإمام البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم قوله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر-والمراد بالحر: هو الزنا- يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف". فقرن النبي صلى الله عليه وسلم الغناء والمعازف بالحر وهو الزنا، والحرير، والخمر،

وكل هذه منكرات بإجماع الأمة الإسلامية، بل من كبائر الذنوب الذي جاء النص عليها في كتاب الله ما عدا الحرير، مما يدل على أن الغناء يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، وإلا لم يقرنه الله بهذه الكبائر العظيمة.

ولهذا لا يجوز لأحد أن يأتي بمغنيات وبآلات لهو في الأفراح، وإن هذا والله لكفر لنعمة الله،

والله يقول سبحانه وتعالى: "وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"[النحل:112].

ولعل قائلاً يقول:أليس جائزاً أو مسنوناً أن نضرب في الفرح بالدف كما جاء في الحديث (أعلنوا هذا النكاح بالدف)؟

نقول: هناك فرق بين الطبل والدف الذي جاء الترخيص به؟

فالدف المرخص به له مواصفات وشروط، فالدف طار ليس له إلا وجه واحد، وليس له سند، ولا يرتبط بحديد ولا صوت، والضرب به ضربات بسيطة وبزمن يسير، ويتولاه بنات صغيرات وجوارٍ، كما كان في عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، وبأصوات بريئة طاهرة كما جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة أنهم كانوا يقولون في إعلان الفرح:

أتــــيــــنــــاكم                أتــــيــــنـــــاكـــــــم
فـــحـــــيـــــونــــا              نحيــــيـــــكــــــم

ولــــولا الـــذهـــــب الأحــــمـــــر      مـــــا حـــــلــــت بـــواديـــــكـــــــم

ولـــولا الــحـــنطــــة الســــمـــراء       مـــا ســـمــــنـــــت عـــذاريــــكـــم

كلمات من هذا الأسلوب ليس من كلام العشق والغرام، ولا الحب ولا الهيام، ثم إن الضرب بالدف ليس بسنة ولكنه رخصة؛ لأنه جاء على خلاف دليل راجح؛ لأن الأصل تحريم آلات اللهو والغناء والمزامير، وأبيح في حالة خاصة، في الأفراح خاصة بهذا الأسلوب، وبهذا الوضع الخاص، أما أن يتوسع به ويؤتى بالمطرب الفلاني، والمغنية الفلانية، والراقصة الفلانية وكأنهم في مسرح من مسارح الفسق والفجور الذي يكون فيها الخمر وغير ذلكم،

وأخشى أن يصدق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".

كنا في السابق نستنكر ولا نكاد نصدق إذا قيل لنا إن مثل هذا موجود في البلاد الأخرى،

وأن هناك عرياً في الأفراح،

وأن هناك رقصاً بين الرجال والنساء واختلاط،

وأن هناك كؤوس الخمور تدار في الأفراح، والمعاصي،

ما كنا نصدق حتى رأينا بوادر شيء من هذا، لا أقول يوجد عندنا كل هذا ولكنها مقدماتها، ويلوح من وراءها خطر محدق، وظلمة تكاد تكتسح بلادنا، فبدأ الرقص، وبدأ التفسخ في النساء، حتى إن المرأة -كما نعلم- تخرج إلى الأفراح وليس عليها إلا قميص عليه خيط واحد يمسك بعاتقيها، أما البقية فمشقوق من جهة الصدر، وربما خرجت النهود، وكذلك الظهر عارياً، والثوب مشقوقاً إما من الأمام أو من الخلف، أو ربما تكون فساتين متشققة من جميع الأطراف، إنما غاية ما في الأمر أن فيها تخالفاً حتى لا تبدو العورة، ولكن حينما تجلس أو يأتي الهواء تجد العورة بادية ظاهرة.
ولذلك لا يجوز لأحد ولاه الله امرأة أن يرسل بها إلى مثل هذه القصور ما دام يوجد فيها شيء من هذه المنكرات، لا سيما الأطفال، وبعض النساء تقول: أنا أذهب ولست أفعل، نعم، ولكن في الحقيقة تذهبين بقصد النظر، ويخرج أطفالك معك لهذا القصد، ثم بعد ذلك: إذا كثر الإمساس قل الإحساس، ويصبح هذا أمراً مألوفاً عند المرأة وعند بناتها، وتكبر البنت مقلدة لما رأته، بل الأم الكبيرة تفعل مثل ما فعلن؛ لأنه أضحىً مألوفاً وسهلاً على النفوس، ولم تنكره القلوب.

فلنحذر جميعاً أن نسمح لبناتنا ونسائنا هذه الألبسة العارية، ولا تستجيبوا لنسائكم وضغوطاتهن وعويلهن، والله سبحانه وتعالى جعل الرجال قوامين على النساء، فأين قوامتك أيها الرجل حينما تسارع إلى خياطة الفساتين الغالية؟ وتستجيب لمطالبهن بسبب كثرة إلحاحهن، أو تلبس بناتك الصغيرات ثياباً صغيرة، أو بنطلونات بحجة أنها صغيرة، كما قال لي البعض حينما نصحته، قال: يا شيخ إنها صغيرة، والصغيرة لا تعرف شيئاً، وعورتها مخففة ونحو ذلك من المعاذير، فقلت: نعم هي صغيرة كما قلت: ولكن تعليم الصغيرة الأخلاق والآداب الإسلامية، وإبعادها عن هذه التقاليد الوافدة التي تتنافى مع ديننا أمر متعين عليك، أما أن تنشئها منذ نعومة أظفارها وهي رضيع، ثم طفلة، ثم صبية، ثم مراهقة على هذه الألبسة الفاسخة، ثم تريد بعد ذلك أن تغير هذا المنكر بعد الكبر، إنك لن تستطيع التغيير في الكبر إلا بصعوبة بالغة وهو أمر مجرب ومعلوم. يقول الشاعر:

وينـــشأ ناشــــئ الفـــتـــيان فيــــــنا
عـــلــى مـــا كـــان عــــوده أبــــوه

فإن عودته الخير فأبشر بالخير، وإن عودته الشر فالحذر الحذر من أن يصيبه الشر فأنت مسؤول عنه بين يدي الله سبحانه وتعالى.

وهذا الموضوع ذو شجون وطويل، وذو حساسية في النفوس، والمؤمن عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وكل واحد منا -والحمد لله- عنده من فطرته، وأخلاقه، ومن دينه ما يكره هذا، ولكن الكثير منا يتساهل مع النساء، ويغلبنه، فعلينا تحقيق الرجولة، فإن الولي والله مسؤول بين يدي الله سبحانه وتعالى،

يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"[التحريم:6].

فنحن ميتون اليوم أو غداً أو بعد غد، وربما تخلف –أيها العبد- هذا النشء، وقد تركته على ما هو عليه، فما موقفك بين يدي الله حينما يسألك ربك في يوم عظيم، وحينما يتعلق بك أهلك وأولادك، وهل وقيتهم النار؟،

فأنت راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فما جوابك غداً؟!

لنعد لهذا السؤال جواباً، ولهذا الجواب صواباً قبل أن تقول يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله، فإنهن والله أمانة في الأعناق، والله ستسألون عنها، والله ستسألون عن هؤلاء الأولاد، وعن هؤلاء النساء، فاتقوا الله في أعراضكم.

وإن هناك أناساً –والعياذ بالله- يتربصون بنا الدوائر، ويريدون أن يضلونا عن سواء السبيل، ويضلوا فتياتنا، ويريدون أن يبعدوا فتياتنا ونساءنا عن تعاليم الإسلام، ويحرروهن من ضوابط الشرع وقيوده لتكون منفلتة ضائعة، والله المستعان.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح نساء المسلمين عامة، ونساءنا خاصة، وأن يرزقهن العلم النافع والعمل الصالح والولد البار، وأن يكفيهن شر الكائدين والمنافقين، وأن يحفظهن من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ونسأله سبحانه وتعالى أن يصلح نياتنا وذرياتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

د. صالح بن عبد العزيز المنصور -رحمه الله -

عدد التعليقات على:" وقفة مع بعض منكرات الأفراح" : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة