| 1 التعليقات ]

 452
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

رمضان شهر  الخير  والباركة يرجع الروح إلى منبعها الأزلي
فنتوجه  إلى الله خالق السموات والأرض
ونتقرب اليه بالدعاء والقيام

قَالَ سيّد الخلق صلى الله عليه وسلم :
" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدّم من ذنبه " صحيح البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفس محمد بيده، لخلوف فمّ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" صحيح البخاري

*  خلوف فمّ الصائم :

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لنا أن من الناس من تكون ريحه أفضل عند الله تعالى من ريح هذا المسك الذي يفوح في الطرقات فيعجب المارين ويجذبهم إليه..

فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده، لخلوف فمّ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".. أي صاحبه عند الله بسببه أكثر قبولاً ووجاهة، وأزيد قرباً منه سبحانه وتعالى من صاحب المسك بسبب ريحه عندكم، وهو تعالى أكثر إقبالاً عليه بسببه من إقبالكم على صاحب المسك بسبب ريحه.

وخلوف فمّ الصائم هو تغيّر طعم فمّه وريحه لتأخر الطعام، وهو في ظاهر الأمر ضد رائحة المسك وعلى عكسها، فما الذي جعله عند الله طيباً؟!

لاشكّ أنّه قد حظي بهذا الفضل لأنّه نتج عن طاعة الله تعالى، فالصائم قد أمسك عن طعامه الحلال وشرابه الطيِّب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وامتثل أمر ربّه رغباً ورهباً، وحبّاً وقرباً، فكان الخلوف وتغيّر رائحة الفم، وربّما اقترب منه صاحب أو صديق فشمها فنأى عنه وأبعد أنفه تأففاً منها. لكن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكِّد لنا سرّ كرامة صاحب هذه الريح فيقول: " يقول الله عز وجل : الصوم لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي ، والصوم جنة ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".  صحيح البخاري

وفي هذا ترغيب في الاستكثار من الصوم الذي يحدث به، ولذلك خص بخلوف فمّ الصائم دون خلوف فم غيره.

*  المقياس عند الله تعالى مختلف :

 

إنّ الله تعالى لا يزن الناس إلا بأعمالهم ويقول لنا: (...إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

فإن أعجبتنا رائحة المسك فليس كلُّ مَنْ يحمل مسكاً يكون محموداً عند الله، وإن كان عندنا حميداً، وإذا ما رأيتَ إنساناً رث الثياب مبتذل الهيئة، تبدو عليه علامات العوز والحاجة وتفوح منه رائحة الفقر فليس معنى ذلك أنّه سيئ مكروه عند مولاه عزّ وجلّ؛ لأنّ الميزان عند الله مختلف،

أمّا ذلك المقياس العقيم الذي يحكم على الناس بروائحهم ونوع الطيب الذي يستخدمونه، أو ماركة السيارة التي يملكونها، أو المحمول الذي يحملونه، أو القبيلة والعائلة التي ينتسبون إليها، لهو مقياس خاص بالبشر في دنيا الناس، إذ يعتريه النقص ويلفه الجهل البشري بعلم الباطن وخفايا النفوس وصدق النيات، فيحصل حكمهم على غيرهم من منظور الظاهر فيجعلون المال والجمال والحسب والنسب والملبس والمنظر وغيره من الأمور الظاهرة

وهذا ما بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وربَّى أصحابه عليه حين قال: "إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".صحيح مسلم

قال الغزالي: قد أبان هذا الحديث أنّ محل القلب موضع الرب، فيا عجباً ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس، ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب، ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه، لئلا يطلع ربّه على دنس أو غيره فيه.

*  أطيب عند الله من ريح المسك :

قيل: هو مجاز؛ لأنّه جرت العادة بتقريب الروائح الطيِّبة منا، فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله، فالمعنى أنّه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرب إليه من تقريب المسك إليكم.

وقيل: المراد أنّ ذلك في حقّ الملائكة، وأنّهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك.

وقيل: المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهذا قريب من الأوّل.

وقيل: المعنى أنّ الله يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكاً.

وقيل: المعنى أنّ الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر.

وقيل: إنّ للطاعات يوم القيامة ريحاً يفوح، فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك.

وذلك  لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".

.
* إنّه المسك.. فانظر: أين يكون؟


والمسك آية من آيات قدرة الله عزّ وجلّ وعظيم صنعه، فهو يذكّر بـ(...صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل/ 88).
وحقيقته: أنّه دم يجتمع في سُرّة الغزال أي الظبي بإذن الله في وقت معلوم من السنة، بمنزلة الموادّ التي تنصبّ إلى الأعضاء، وهذه السُرّة جعلها الله معدناً للمِسك فهي تثمر في كل سنة.
وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : "أطيب الطيب المسك". صحيح الترميذي

فهو أفخر أنواع الطيب وسيدها، وله من بينها مزيد خصوصية، وله عليها الفضل والمزية، حيث جاء ذكره في التنزيل، وذلك غاية التشريف والتبجيل، قال الله تعالى: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 25-26)،

وهو طيب الجنّة والكثبان التي هي مقاعد الصديقين فيها منه.


المسك تراب الجنة :

ولا يذكر المسك إلا في أفضل موضع وأحسن حال وأكمل مثال، فالمسك تراب الجنّة، ورشح أهلها.. قال صلى الله عليه وسلم يصفها: "وملاطها المسك الأذفر...".صحيح الجامع

وقال صلى الله عليه وسلم عن أهلها: "ورشحهم المسك". صحيح البخاري

والمسك ريح نساء الجنّة..

قال صلى الله عليه وسلم : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنّة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك ". الترغيب والترهيب

والمسك كثبان في سوق الجنّة..

عن انس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنّ في الجنّة لسوقاً يأتونها كل جمعة فيها كثبان المسك".صحيح الجامع

والمسك ذكر في مقام الحديث عن نهر الكوثر وحوض النبي صلى الله عليه وسلم ،

قال صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، و مجراه على الدر و الياقوت ، تربته أطيب ريحا من المسك " صحيح الجامع

قال صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ، و زواياه سواء ، و ماؤه أبيض من اللبن ، و ريحه أطيب من المسك " صحيح الجامع

والمسك ذكر مثلاً لروح المؤمن عند قبضها..

قال النبي صلى الله عليه وسلم  : "إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء ، فيقولون : اخرجي راضية مرضيا عنك ، إلى روح الله وريحان ، ورب غير غضبان ، فتخرج كأطيب ريح المسك...". صحيح النسائي


هذا هو المسك، ومقامه ومكانته، وقد شرف الله تعالى الصائمين، فجعل مقام خلوف أفواههم عنده أعلى وأرفع من مقام المسك.. فإذا كان هذا المقام بسبب تغيّر ريح فمّ الصائم، فما ظننا بصلاته وقراءته وسائر عباداته في هذا الشهر الفضيل.


* الصيام الحقيقي للفم :


ولا عجب أن كان خلوف فمّ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ولعل سر ذلك هو صيام الفم صياماً ظاهراً بالإمساك عن تناول الطعام والشراب، وصيامه صياماً باطناً بالإمساك عن منكر القول من شتم وسبّ وغيره من آفات اللسان،

فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصبح أحدكم يوما صائما ، فلا يرفث ولا يجهل . فإن امرؤ شاتمه أو قاتله ، فليقل : إني صائم . إني صائم " صحيح مسلم

وقال صلى الله عليه وسلم : "الصيام جنّة من النار، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذٍ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبّه، وليقل: إني صائم، والذي نفس محمّد بيده لخلوف فمّ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". صحيح النسائي

وللأسف فإنّ بعض الناس ينظف فمّه ليلاً ونهاراً بالسواك وبالفرشاة والمعجون، وتفوح رائحة الطيب منه إلا أنها رائحة ظاهرة، أما رائحة فمه الباطنة فلا تتطابق مع ريح ظاهره، ولو كانت تُشَمّ وشمها من حوله لهربوا وفزعوا، إذ تجده يخوض مع الخائضين لاغياً لاهياً، له من قول الزور والفحش والكذب والمراء نصيب، ومن الغيبة والنميمة والسب والشتم والصياح مقدار،

ومن الغفلة عن ذكر الله وأذية عباده في الأرض طريق.. أترى مثل هذا الإنسان يشفع له عند ربه جمال شكل أو طيب ريح ما دام مقيماً على معاصيه، غافلاً عن حقيقة الصيام..

ولو كان صائماً الدهر كله بفمه صيام العادة ما شفع له عند ربه مع تلك الغفلة المذمومة.

عدد التعليقات على:" أطيب عند الله من ريح المسك .." : "1"

غير معرف يقول... @ أغسطس 18, 2010 8:13 م

جزااك الله جنة النعيم .. وجعلك من عتقاء هذا الشهر الفضيل .. موفق يارب .

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة