| 5 التعليقات ]



ســـــارع بالتوبه

قال الله تعالى :
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } الأعراف156


ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما
تعـاظمني ذنــبي فـلما قــرنته بعفوك ربي صار عفوك أعظما

يا باغي الخير أقبل ، فالباب غير مقفل ، يا من أذنب وعصى ، وأخطأ وعتى ، تعال فلعل وعسى ، يا من بقلبه من الذنوب جروح ، تعال فالباب مفتوح ، والكرم يغدو ويروح ، يا من ركب مطايا الخطايا ، تعال إلى ميدان العطايا ، يا من اقترفوا فاعترفوا ، لن تنسوا { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر53

يا من بذنب باء ، وقد أساء ، تذكر قول الله تعالى في الحديث القدسي : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي . يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي . يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ".

أسقت بغي كلبا ، فأرضت ربّا ، ومحت ذنبا ، قتل رجل مائة رجل ، ثم تاب إلى الله عز وجلّ ، فدخل الجنة على عجل .
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه
من جود فضلك ما علمتني الطلبا

من الذي ما أساء قط ، ومن له الحسنى فقط ، ومن هو الذي ما سقط ، وأين هو الذي ما غلط ، يا كثير الأخطاء : أنسيت : كلكم خطّاء ، كم يقتلك القنوط كم ..
 وأنت تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم " .

اطرق الباب تجدنا عنده
لا تقل قد أغلق الباب فلا
بسخاء وببذل وكرم
تحمل اليأس فتلقى في الندم

إذا أذنبت فتب وتندّم ، فقد سبقك بالذنب أبوك آدم ، ومن يشابه أباه فما ظلم ، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب ، فإن أباك لما أذنب أناب ، بنص الكتاب .

أصبحت وجوه التائبين مسفره ، لما سمعوا نداء : لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفره ، اطرح نفسك على عتبة الباب ، ومد يدك وقل : يا وهّاب . أرغم أنفك بالطين وناد : رحمتك أرجو يا رب العالمين .

إن جرى بيننا وبينك عتب
فالقلوب التي عرفت تلظّى
وبعدنا وشط عنا المزار
والدموع التي عهدت غزار

يا من أساء وظلم ، اعلم أن دمعة ندم ، تزيل أثر زلة القدم . أنت تتعامل مع من عرض التوبة على الكفار ، وفتح طريق الرجعة أمام الفجّار ، وأمهل بكرمه الأشرار . أنزل بالعفو كتبه ، وسبقت رحمته غضبه .

والله ما لمحت عيني منازلكم
ولا تذكرت مغناكم وأرضكموا
إلا توقد جمر الشوق في خلدي
إلا كأن فؤادي طار من جسدي

اسمه التوّاب ، ولو لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب ، لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب . ما تدري بالذنب ، محى العجب ، وبالاستغفار حصل الانكسار ، لكأس الاستكبار ، وصار الانحدار ، لجدار الإصرار .

لا تصر ، بل اعترف وقر ، فإن طعم الدواء مُر ، وسوف تجد ما يسر ولا يضر ، واحذر الشيطان فإنه يغر .

اطرق الباب فإنا فاتحون
لا تغيرك على الصحب الظنون

الاعتراف بالاقتراف ، طبيعة الأشراف ، قف بالباب ، وقل : أذنبنا ، وطف بتلك الديار وقل : تبنا ، وارفع يديك وقل : أنبنا .

{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء17

سبحان من يغفر الذنب لمن أخطأ ، ويقبل التوبة ممن أبطأ .
التوبة تَجُبُّ ما قبلها ، وتعم بركتها أهلها .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ،

وهذا قول يجب أن نقبله ، فهنيئاً لمن تاب وأناب ، قبل أن يغلق الباب . التائب سريع الرجعة ، غزير الدمعة ، منكسر الفؤاد ، لرب العباد ، دائم الإنصات ، كثير الإخبات .

للتائب فرحتان ودمعتان وبسمتان .

فرحة يوم ترك الذنب ، والأخرى إذا لقي الرب ، ودمعة إذا ذكر ما مضى ،
والثانية إذا تأمل كيف ذهب عمره وانقضى ، وبسمة يوم ذكر فضل الله عليه بالتوبة ، وهي أجلّ نعمة ، والأخرى يوم صرف عنه الذنب وهو أفظع نقمة .
بشرى لمن عفّر جبينه ، وأشعل في قلبه أنينه ، وأضرم بالشوق حنينه ،التائب تبدل سيئاته حسنات ، لأن ما فات مات ، والصالحات تمحو الخطيئات .

للتوبة أسرار ، ولأصحابها أخبار ، فالتائب يزول عنه تصيد المعائب ، وطلب المثالب ، لأنه ذاق مرارة ما تقدّم ، فهو دائماً يتندّم ، وهو يفتح باب المعاذير ، لمن وقع في المحاذير ، ولا يفعل فعل المعجب المنّان ، الذي قال : والله لا يغفر الله لفلان ، بل يستغفر لمن أساء من العباد ، ويطلب الهداية لأهل الفساد ، والتائب يطالع حكمة الرب ، في تقدير الذنب ، وأنه لا حول للعبد ولا قوّة ، في منع نفسه من الوقوع في تلك الهوّة ، فالله غالب على أمره ، بعزته وقهره ، والتائب ذهبت عن نفسه صولة الطاعات ، والدعاوى الطويلات ، والتبجح على أهل المعاصي ، وأصبح ذليلاً لمن أخذ بالنواصي ، فإن بعض الناس إذا لم يقع في زلّة ، ولم يذق طعم الذلة ، جمحت به نفسه الأمّارة ، حتى جاوز أطواره ، فكلما ذكر له عاص تأفّف ، وكلما سمع بمذنب تأسّف ، وكأنه عبد معصوم ، في حياته غير ملوم ، يحاسب الناس على زلاتهم ، ويأخذ بعثراتهم ، فإذا أراد الله تقويمه ، ليسلك الطريق المستقيمة ، ابتلاه بذنب لينكسر لربه ، وأراه ضعف قوته فيعترف بذنبه، فيصبح يدعو للمذنبين ، ويحب التائبين ، ويبغض المتكبرين .

ومنها أن كأس الندم يتجرعه جرعة جرعه ، مع انحدار دموع الأسف دمعة دمعه، حينها ينال الولاية ، ويدرك الرعاية ، لأنه عرف سر العبودية ، ودخل باب الشريعة المحمديّة ، فإن ذل العبد مقصود ، وتواضعه محمود ، لصاحب الكبرياء المعبود .

ومنها أنه يشتغل بالاستغفار ، عن الاستكبار ، فهو دائم الفكر في تقصيره ، مشتغلاً به عن غروره ، لأن بعض الناس لا يرى إلا إحسانه ، ولا يشاهد إلا صلاحه وإيمانه ، حتى كأنه يَمنّ على مولاه ، بطاعته وتقواه ، بخلاف من طار من خوف العاقبة لبه ، وتشعب بالندم قلبه ، فهو كثير الحسرات ، على ما مضى وفات ، وهذا هو حال من عرف العبادة ، وسلك طريق السعادة .

واعلم أن لوم النفس على التقصير ، والنظر إليها بعين التحقير ، والإزراء عليها في جانب مولاها ، وعدم الرضا عنها لما فعله هواها ، يقطع من مسافات السير ، إلى اللطيف الخبير ، ما لا يقطعه الصيام ولا القيام ، ولا الطواف بالبيت الحرام ، فهنيئاً لمن على ذنبه يتحرق ، وقلبه يكاد من الأسف يتمزّق ، ودمعه على ما فرّط يترقرق .

وقفنا على الأبواب نزجي دموعنا  
 ونبعث شوقاً طالما ضج صاحبه

أجمل الكلمات ، وأحسن العبارات ، لدى رب الأرض والسموات ، قول العبد : يا رب أذنبتُ ، يا رب أسأتُ ، يا رب أخطأتُ ، فيكون الجواب منه سبحانه : عبدي قد غفرت وسامحت ، وسترت وصفحت إن الملوك إذا شابت عبيدهمو

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً
في رقهم عتقوهم عتق أبرار
قد شبت في الرق فاعتقني من النار

عفّر الجبين بالطين ، وناد : يا رب العالمين ، تبنا مع التائبين ، اغسل الكبائر بسبع غرفات من ماء الدموع وعفرها الثامنة بتراب المتاب ، فهذا فعل من أناب ، حتى يفتح لك الباب . تأوّه المذنبين التائبين ، أحب من تسبيح المعجبين ، من قضى ليله وهو نائم ، وأصبح وهو نادم ، أحب ممن قضاه وهو مسبّح مكبّر ، وأصبح وهو معجب متكبّر .

إذا أردت القدوم عليه ، توسل برحمته وفضله إليه ، ولا تمنن بطاعتك لديه، لا تيأس من فتح الباب ، ورفع الحجاب ، فأدم الوقوف عنده ، واخطب وده ، فإن من قصده لن يرده ، ما أحوج الجيل ، إلى آخر ساعة من الليل ، لأنها ساعة الهبات ، والأعطيات والنفحات ..

أتمنى أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة ونرجعها و نحاسبها . لعل النفس تعود و لعل العين أن تدمع و لعل القلب أن يخشع ..

  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

عدد التعليقات على:" ســـــارع بالتوبه" : "5"

ولا بالاحلام يقول... @ نوفمبر 23, 2010 12:50 ص

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله موضوع جميل وطرحك له طيب
بارك الله فيك أخى فى الله
تحياتى
ابتسام محمد (ولا بالاحلام)
سنووايت (اميرة الاحلام)

مازن الرنتيسي يقول... @ نوفمبر 23, 2010 6:18 ص

بسم الله وبعد
نشكرك أخانا في الله على هذه الموعظة الطيبة والقيمة التي نسأل اللع عز وجل بأن يجعلها في ميزان حسناتك إن شاء الله
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك اللهم إرحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فأنت علينا قادر
ــــــــــ
إخوانك في الله:
المنشد أبو مجاهد الرنتيسي \ أحلام الرنتيسي

Unknown يقول... @ نوفمبر 23, 2010 10:07 ص

@ ولا بالاحلام

بارك الله فيكم على المدخلة الطيبة وجزاك الله كل خير

Unknown يقول... @ نوفمبر 23, 2010 10:13 ص

@ المنشد أبو مجاهد الرنتيسي

بارك الله فيكم على المدخلة الطيبة.
وادعو الله ان يكون لنا نصيب من دعائكم الطيب ولكم بمثل ما دعوتم واكثر .
تقبل الله منا ومنكم الدعاء وصالح الاعمال

صالحات يقول... @ نوفمبر 30, 2010 12:25 م

قال تعالى :
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة199
فأمر الله عز وجل بالاستغفار بعد الافاضة من عرفة
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة
وأيضا يستحب الاستغفار بعد قيام الليل فى السحر
قال تعالى :
{كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ** وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات18-17
قال الحسن ـ رحمه الله ـ عنهم : " مدُّوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا يستغفرون
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله حين سئل عن الحكمة من الاستغفار بعد الصلاة :
"أن الإنسان لا يخلو من تقصير في صلاته؛ فلهذا شرع له أن يستغفر ثلاثاً"
ولهذا فعلينا أن نختم عملنا فى رمضان بالاستغفار والتوبة لله عزوجل
من كل تقصير أو زلل وقعنا فيه
وهذا هو حال الصالحين

قال تعالى :

{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }المؤمنون60

عن عائشة -رضي الله عنها- قال:
سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية:
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)
أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟
فقال -صلى الله عليه وسلم-:
(لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ،
وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ،
وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ)
رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة