| 0 التعليقات ]



الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله و اله و اصحابه أجمعين
اما بعد :

أثر الإيمان وعلاجه للعلل والأمراض ..

لقد ظهر جليًا ما خلفته مدنية المادة، وحضارة المتع والشهوات من علل وأمراض في مجتمعاتنا، وما أحدثته من تخريب للأفراد والأسر، وانحسار لكثير من القيم، والأخلاق الإسلامية والمقاييس الربانية، وانتشار ألوان شتى من الفساد، وصار لزامًا على العقلاء والغيورين أن يبحثوا عن العلاج بعد تشخيص الداء.
ولما كان ضعف الإيمان، هو الذى أوصل إلى هذه الحال التى نشكو منها، فصار بديهيًا أن يتركز العلاج في بعث الإيمان في النفوس، فيطهرها من كل هذه العلل والأمراض، فنجد الفرد المسلم القدوة، ونجد البيت المسلم القدوة، ثم نجد المجتمع المسلم القدوة.
وسنعرض هنا إلى حقيقة الإيمان، وكيف أنه يعالج النفوس ويشفيها من كل هذه الأدواء:

الإيمان في الحقيقة هو الحياة بالنسبة للإنسان، وبغيره يكون كالميت.
قال الله تعالى : ﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ الأنعام: من الآية122

الإيمان ينير الطريق لصاحبه، فيهتدي إلى الصراط المستقيم، ويتجنب الانحراف عنه .
قال الله تعالى : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ الأنعام:153
وقال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ الحديد:28

الإيمان يحمى المؤمن من الوقوع في الحرام أو الشبهات، لأنه يولد في نفس صاحبه خشية الله، ومراقبة الله، والخوف من عقاب الله كما يولد الإخلاص لله، ويطهر النية من كل شائبة، ويبرئ صاحبه من أمراض القلوب التى تفسد الإخلاص، كالرياء والغرور، الكبر وحب الزعامة وحب الظهور.

والإيمان ينقى صاحبه من الأمراض الاجتماعية، كالأنانية وحب الذات، والحقد والحسد، والعادات الجاهلية، والعصبيات القبلية والإقليمية، وما يترتب عليها من صدامات وعداوات في كثير من الأحيان.

الإيمان يعصم صاحبه من المعاصي، وارتكاب الكبائر والفواحش ويمنعه من إيذاء الغير، سواء بالسب أو الغيبة أو النميمة، أو غير ذلك من صور الإيذاء، ويدعو إلى البر والإحسان، بين المواطنين، وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم
قال الله تعالى:﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ﴾ الممتحنة:8

الإيمان يكسب صاحبه كل خلق فاضل، ولين الجانب وكظم الغيظ، والعفو عمن يسئ إليه من إخوانه ويدفع بالتى هي أحسن، ويكسب صاحبه فضيلة التواضع.

الإيمان يدفع صاحبه إلى برّ الوالدين والأقربين وصلة الأرحام وإكرام الضيف وحسن الجوار، والعطف على اليتامى والإنفاق على المساكين.

الإيمان يثمر المودة والرحمة، والحب والإيثار بين المؤمنين، ويحول دون الفرقة والتنازع
قال الله تعالى : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ التوبة: الآية71
وقال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ﴾ الحجرات: من الآية10
وقال الله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ الحشر:9
وقال الله تعالى : ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ لأنفال:46
وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". قي صحيح مسلم : ص 54

الإيمان يدفع إلى الاهتمام بأمور المسلمين وقضاياهم، والدفاع عنهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".كما في صحيح مسلم ايضاً

الإيمان يقوى عزم المؤمنين ويزيل أي أثر للغثائية والوهن والشعور بالضعف، ويمنع الخوف من غير الله، ويدعو إلى حسن التوكل على الله

قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران: 173-175

الإيمان يصحح الموازين المادية، فلا يجعل الدنيا أكبر الهم، ومبلغ العلم فيتخفف المؤمن من جواذب الأرض التى تجعله يثّاقل إلى الأرض، عندما يدعى إلى النفير للجهاد، وتكون الشهادة في سبيل الله أسمى أمانيه، ويسخر كل ما أنعم الله به عليه من وقت ومال وجهد وعلم ونفس في سبيل الله، ويجعل المال في يده، لا في قلبه، وينفقه في سبيل الله.

الإيمان يحمي صاحبه من الوهن والاستكانة والضعف، خاصةً إذا حدثت هزيمة في معركة مع الأعداء
قال الله تعالى : ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾.
وقال الله تعالى : ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران: 146

التسلح بسلاح الإيمان هو العامل الأساسي لتحقيق وعد الله بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين من الأخذ بأسباب إعداد القوة
قال الله تعالى : ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ ﴾ الروم: 47
وقال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ النساء: 76

الإيمان يثمر حب الأوطان ويدعو إلى العمل المنتج المتقن؛ للارتقاء بالوطن، وتحقيق الاكتفاء الذاتي . ويدفع إلى حسن استغلال الوقت في النافع المفيد، وتسخير ماله فيما يعود بالنفع والخير على الناس.

والإيمان والتقوى يجلبان الرزق الحلال الطيب
قال الله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ الأعراف: 196
وقال الله تعالى : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ الطلاق: من 3،2

الإيمان يولد الصبر والرضا، والاطمئنان إلى عدل الله، وأنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون وأنه لهم بالمرصاد،
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ إبراهيم: 42
كما أن المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره وإن بدا أنه شر
قال الله تعالى : ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة: 216

الإيمان عندما يتوفر في الزوج والزوجة يحقق لهما السعادة الزوجية الحقة، والمودة والرحمة، فيقيمان البيت المسلم القدوة وتنشأ الذرية الصالحة في هذا الجو الرباني.

الإيمان يزجر صاحبه من التجرؤ على الفتيا بغير علم، ويلزم صاحب الورع، والتحرز من التعالم، والخوض في شرع الله على غير تثبت، وقد وقع في هذا الأمر بعض الشباب حديثي العهد بالعمل الإسلامي.

الإيمان يبصر صاحبه بما تمليه طبيعة المرحلة، التى تمر بها الدعوة الإسلامية، من ضرورة العمل على إقامة الدولة والخلافة الإسلامية، وضرورة التعاون مع غيره من الصادقين العاملين؛ لتحقيق هذا الهدف العظيم
قال الله تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ الأنفال: 39

الإيمان يدفع صاحبه إلى الوفاء ببيعته، وعدم التفريط في أدائها، أو النكث فيها، مهما طال الطريق، وكثرت العقبات
قال الله تعالى : ﴿ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾. الأحزاب: 23

والإيمان شرط لإتمام الصفقة الرابحة مع الله
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾. التوبة: 111

الإيمان والتقوى يحميان المؤمن من نزغات الشيطان
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ الأعراف: 201

الإيمان يحقق السعادة والحياة الطيبة في الدنيا ، والنعيم والنجاة من النار في الآخرة:
قال الله تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
وقال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ ﴾ البروج: 11

والإيمان يجعل صاحبه في معية الله، ومن كان الله معه لم يفقد شيئًا، ومن تخلى الله عنه، لن يجد إلا الضياع والضلال.
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ النحل: 128
وفي آية أخرى ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ ﴾ الأنفال: من الآية 19

هكذا نرى أثر الإيمان وعلاجه للعلل والأمراض، التى تثمرها المادية، وليس ما ذكرناه على سبيل الحصر.

فإلى الإيمان الصادق وإلى العمل الصالح وإلى الربانية.


عدد التعليقات على:" أثر الإيمان وعلاجه للعلل والأمراض" : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة