| 0 التعليقات ]


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بالمحاسبة والبعد عن المعاصي تزيد عظمة الله في قلوبنا

لم يخلق الله جل وعلا الخلق ولم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا من أجل تحقيق غاية واحدة من أسمى الغايات ألا وهي عبادته سبحانه وتحكيم شرعه، ولا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم المعبود، فالعبادة هى فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لله، أي أن العبادة هي تعظيم الله وامتثال أوامره، ومن هذا التعريف تتضح لنا أهمية تعظيم الله، وأنها هى العبادة التي خلقنا الله لتحقيقها.

وقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ووضحت لنا فضل تعظيم الله، فمنها قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}
ومنها قوله تعالى في معرض ذكر صفات عباده المؤمنين: {الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار } ،
وفى تفسيره لهذه الآية قال ابن جرير الطبري : ابتغاء وجه ربهم أي طلب تعظيم الله وتنزيهاً له أن يخالف في أمره أو يأتي أمراً كره إتيانه فيعصيه به.

وحول هذا الموضوع دارت حلقة  من برنامج "بناء الإيمان " للدكتور أشرف الفيل على قناة الناس الفضائية حيث سرد أمثلة أخرى من الكتاب تبين فضل تعظيم أمر الله ومنها قوله تعالى في قصة نوح ـ عليه السلام ـ مع قومه: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} أي ما لكم لا تؤملون له سبحانه توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه.

ومنها قوله لما ذكر قصة أصحاب الجنـة: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبحون } .

وقال الدكتور أشرف الفيل: الناظر في أحوال الناس ليعجب من هذه النفوس التي إذا ذُكِّرت بالله لم تتذكر، ولا تتعظ، وإذا قرأت عليها آيات الوعد والوعيد لم تبك ولم تتأثر، ولا شك أن هذا نذير خطر على العبد إذا لم يراجع نفسه ويحاسبها ويذكرها بالله تعالى، ولعله من أعظم الأسباب التي أوصلت الإنسان إلى هذه الحالة المتردية عدم استشعار عظمة الله في القلوب والبعد عن خشيته والخوف منه سبحانه.

ثم أوضح الفيل المقصود لغوياً بكلمة التعظيم قائلاً: ذكر الفيروز أبادي في القاموس المحيط في معنى التعظيم قال: العِظم بكسر العين خلاف الصِغر، وعظَّمه تعظيماً وأعظمه أي فخمه وكبره، واستعظمه أي رآه عظيماً، وقال الرازي في مختار الصحاح: عظُم الشيء أي كبُر فهو عظيم، وقال ابن منظور في لسان العرب: العظيم الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول.

واضاف الفيل : ونرى جميعاً علماء الأمة يجتهدون في تذكير الناس بمسألة تعظيم الله، فها هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ يصنف (كتاب التوحيد)، ويقرر فيه مسائل العقيدة ثم يختم كتابه بأبواب عديدة كلها تتعلق بتعظيم الله، مثل (باب فيمن لم يقنع بالحلف بالله)، باب (التسمي بقاضي القضاة) باب (احترام أسماء الله) باب قوله: {وما قدروا الله حق قدره} .

ثم تساءل دكتور الفيل : لكن هل نحن معظمون لله أم لا؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن ننظر إلى حالنا عند الإقدام على فعل طاعة من الطاعات،هل نؤديها رغبة ورهبة، خوفاً وطمعاً أم أن الطاعة أصبحت عادة من العادات نعملها كل يوم دون استشعار الهدف من أدائها.

فهل المرأة حين تلبس الحجاب الشرعي تلبسه لأنه شرع من الله أم أنه تراث وتقاليد؟ ، كذلك ننظر إلى حالنا عند فعل المعصية هل نحس كأننا تحت جبل يكاد أن يسقط علينا أم كذبابة وقعت على أنف أحدنا فقال بها هكذا؟ كذلك لننظر إلى حالنا أثناء أداء الصلاة والقيام لرب العالمين هل نستشعر عظمة من نقابله فنخشع في صلاتنا أم تشغلنا الأفكار والهواجس؟ وهل إذا قابلنا ملكاً من ملوك الدنيا صنعنا عنده مثل ما نصنع في صلاتنا؟ إذا أجبنا عن هذه التساؤلات بكل تجرد فسنعرف يقيناً هل نحن معظمون لله أم لا؟

لنتأمل حال أولئك المعظمين لله تعالى عند قيامهم للصلاة فقد قال مجاهد ـ رحمه الله ـ: كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء، أو أن يلتفت أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسياً ما دام في صلاته، وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع،وكان على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فقال: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها.

وأضاف الفيل: ان عدم تعظيم الله في القلوب سيُسأل عنه كل فرد منا فلا بد من المحاسبة والمراجعة وتقويم النفس والنظر في علاقتنا بربنا جل وعلا، ولعل من أعظم أسباب عدم تعظيم الله الوقوع في المعاصي، التى هى السبب في كل بلاء ومحنة وبعد عن الله تعالى، و التساهل في أوامر الله فتجد كثيراً من الناس لا يؤدون العبادات على الوجه المطلوب فلو كانوا يعظمون الله حق التعظيم لعظموا أمره كذلك.

وعدم تدبرنا للقرآن حال قراءته، وعدم الوقوف عند وعده ووعيده، وأصبح همُّ القارئ آخر السورة فحسب دون اعتبار للهدف الذي أُنزل من أجله القرآن
قال تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب }.

والغفلة عن ذكر الله حيث تجد أحدنا في المستشفيات أو في إحدى الدوائر الحكومية جالساً على كرسي الانتظار زمناً طويلاً وهو لا يذكر الله ولا يسبحه ولا يكبره حتى وإن سبح وكبر فهو لا يعي معنى هذا التسبيح وهذا التكبير، وهذه مشكلة لا بد أن نعالجها في نفوسنا، ولهذا فلا عجـب أن يكون السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ من أشد الناس تعظيماً لله لأنهم أحرص الناس على طاعته وأبعدهم عن معصيته.

وبعد ذلك تطرق الدكتور أشرف الفيل للأمور المعينة على تعظيم الله فذكر منها:

تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى فالعبد كلما تقرب إلى ربه بأنواع العبادات وأصناف القربات عظُم في قلبه أمر الله ،قال شيخ الإسلام: "وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته".

ولابد من التدبر الدقيق للقرآن الكريم وما فيه من حكم وأحكام، والنظر فيما فيه من الدروس والعبر، وأن نتدبر في الآيات التي تتحدث عن خلق الله وبديع صنعه، والآيات التي تتحدث عن عقوبته وشديد بطشه، وآيات الوعد والوعيد، فإن تدبر القرآن يؤثر في القلب بلا شك، ويُذكي فيه عظمة الخالق والخوف منه. قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم صاحب حاشية الروض ـ رحمه الله ـ: بل قراءة آية بتدبر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة الإيمان، وهكذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده، حتى إنه ليردد الآية إلى الصباح، وهذا هو أصل صلاح القلب، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع في التدبر.

وكذلك التفكر في خلق السماوات والأرض فإن الناظر فيها ليدهش من بديع صنعها وعظيم خلقها واتساعها ومع هذا فهو لا يرى فيها شقوقاً ولا فطوراً
 قال تعالى: { الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير }.


عدد التعليقات على:" بالمحاسبة والبعد عن المعاصي تزيد عظمة الله في قلوبنا" : "0"

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة